الكذبة التي يصدقها الجميع

آراء

إذا كان البرلمان سلطة تشرع القوانين فإن الإعلام هو السلطة التي تشرع الأفكار والآراء، لذا تنشط الدعايات الترويجية لوسائل إعلامية بهدف كسب ثقة الجمهور والتأثير على آرائهم وأفكارهم، ومن هذه الدعايات الكاذبة شعار «الرأي والرأي الآخر»، أو شعار «الإعلام المحايد».

صاغ لينين قبل وصوله إلى السلطة عام 1917 فقرة في برنامج حزبه تدعو إلى حرية الصحافة، وفي اليوم الثاني بعد وصوله إلى السلطة، قدم لينين قانون الصحافة البلشفية، الذي يختزل حرية الصحافة في ما يؤمن به الحزب، وبحلول عام 1920 باشرت زوجة لينين، كروبسكايا، تطهير المكتبات العامة السوفييتية، وأزالت من الأرفف أعداداً كبيرة من الكتب بذريعة أنها مضادة للثورة، واستمر هذا التقليد سارياً طوال الفترة السوفييتية، وقدر في عام 1987 عدد الكتب المتلفة من مكتبة لينين في موسكو بـ1.5 مليون كتاب.

الإعلام البلشفي يدعي أولاً أنه مستقل ولا يحمل صفة رسمية، فهو صوت الثورة والشعب، وحدود حرياته تتعدى حدود السماء، فكل إعلامي له الحق الكامل في التطاول على المخالفين وانتقادهم، واستطاعت الآلة الإعلامية إقناع الروس بأنهم يعيشون مجد الحريات الإعلامية التي لم يسبقهم إليها أحد.

الإعلام الغربي لا يختلف كثيراً عن الصحافة في العهد البلشفي، الفرق فقط في تكوين الدولة والنظام السياسي، فالسياسة الإعلامية تدور ضمن إطار الدعاية الحزبية إن كان الحزب يقود الحكومة، أو انتقاد الحكومة إن كان الحزب خارج التشكيل في صفوف المعارضة، ويمكنك أن تسأل رجل الشارع البسيط قبل شرائك صحيفة إن كانت تتبع – مثلاً – لحزب العمال أو المحافظين، ويضاف إلى ذلك التأثير السلبي والضغوط التي يخضع لها الإعلام الغربي من قبل أصحاب رؤوس الأموال، وقراءة في سيرة حياة قطب الإعلام العالمي «روبرت مردوخ» كفيلة بتغير الكثير من القناعات الجميلة التي نحملها تجاه الصحافة الغربية.

ما سبق لا يعني أن على القارئ مقاطعة وسائل الإعلام، لكنه يعني أن يميز ما بين الصادق والكاذب، ولا أبلغ من قول الشاعر في التفريق بينهما:

والمرء ليس بصادق في قوله … حتى يؤيد قوله بفعال

فألف تقرير إعلامي يهاجم الخدمات الصحية في آيسلندا وسنغافورة والسويد لن يغير قناعة العاقل بأنها أفضل دول العالم في مستوى الصحة، وألف تقرير يمتدح الإخوان ويمجدهم لن يغير قناعة العارف بأنها جماعة إرهابية.

المصدر: الإمارات اليوم