الموبايل في جيب الميت

آراء

قصة حقيقية سأحاول إخفاء بعض تفاصيلها، والتغيير في ترتيب أحداثها حفاظاً على خصوصية أصحابها، في البداية يُقال إن السعداء هم من يرحلون عن هذه الدنيا بأمان، لتبقى ذكرياتهم الجميلة معنا لفترة من الزمن ثم مصيرهم للنسيان كحال من سبقوهم، ورغم قساوة الفراق إلا أن الإنسان يعيش متصالحاً مع نفسه متى تقبل فكرة الرحيل، ولكن تصور أن الأجل داهمك وفي جيبك الأيمن هاتفك المحمول، فمن له الحق في أخذه، فتحه، والنظر في محتوياته؟

هذا المشهد يحتاج في بدايته ألحاناً لموسيقى حزينة تعيش معها أجواء الفقد، ولكن مع وقوع «موبايل» الفقيد في يد زوجته الأرملة ستتبدل الألحان بموسيقى مسلسل رأفت الهجان، وكما لن ينفع الفقيد إلا عمله الصالح عند وفاته، لن ينفعه كذلك «الباسوورد» الذي وضعه لقفل «موبايله»، فهذه هي الأرملة الحزينة فور رحيل المعزين ستتحول «لهكرز»، وتتوصل لكلمة المرور «سماري 1985» ، فمن هي «سماري»؟ هذا ما ستكشفه لها سجلات المكالمات الواردة والصادرة والرسائل النصية، وألبومات الصور، ثم «الواتس أب».

هل ستصدقني – عزيزي القارئ – إذا قلت لك إن صديقي الميت كان «online» في نفس ليلة وفاته؟!! ولأنني أعلم أن الميت لا يمكنه الاستمتاع بباقات اتصالات للبيانات، لم أسأله عن حاله أفي الجنة هو أم في سواها، بسرعة راجعت آخر المراسلات بيني وبين الفقيد، لا شيء يدعو إلى القلق، إذا استثنيت بعض النكات والصور التي كان يرسلها لي، غفر الله له.

بعدها بدقائق دخلت «قروب الواتس أب» الذي كان يجمعنا مع الفقيد، مظاهر الحزن ارتسمت على جميع أعضاء «القروب»، وُضِعت صورة غير ملونة في «البايو» لصديقنا الراحل مع عبارة «لن ننساك»، كانت الحوارات تمجد في تدين الراحل وتذكر مناقبه حتى ظننتهم يقصدون أحد الأئمة الأربعة، هذا يقول إن الفقيد كان ينوي الحج، وذاك يقول إن فقيدنا نوى بناء مسجد، وآخر يذكر صدقاته التي دفعها سراً إلى المحتاجين، واجهتهم بالحقيقة التي تقول إن فقيدنا كان يشد الرحال إلى بانكوك ثلاث مرات سنوياً ولم يتكلم يوماً عن عزمه لحج أو عمرة، أما قصة بناء المسجد ودفع الصدقات فأتمنى أن تكون صحيحة، ثم أخبرتهم أن الفقيد مازال «online»، لم يمهلوني لأكمل حديثي، ركلوني خارج «القروب».

عندما أويت إلى السرير، تخيلت أرملة صديقي ممسكة «موبايله» لتتبع زلاته وعثراته، والنتيجة أن تحولت دعواتها له في النهار إلى لعنات عليه في المساء.

ولأن الموت يأتي على حين غرة؛ فبالنسبة لي لا أعرف هل عليَّ تنظيف سجلات هاتفي بمسح برامج المحادثة، والصور، والفيديوهات، وكل دليل يشير إلى مغامرة خضت غمارها، أم أُوصي بأن يكون شقيقي الأوسط هو من له الحق الحصري في مد يده لجيبي الأيمن وتناول هاتفي المحمول فور تحولي لجثة باردة.

المصدر: الإمارت اليوم