عبدالسلام الوايل
عبدالسلام الوايل
كاتب و أكاديمي سعودي

برنامج تشغيل الشباب: البحث عن مصادر دعم جديدة

آراء

للبنك الدولي، الذي هو مؤسسة عولمية هائلة الحجم تقوم بالإقراض بهدف الربح، هامش يهتم بدعم النشاطات الاجتماعية والبحثية، بما يتوافق مع أهداف البنك. إحدى هذه البرامج الحديثة برنامج أطلق عليه: الشراكة العولمية لتشغيل الشباب Global Partnership Youth Employment (GPYE). من خلال هذا البرناج، قام البنك الدولي باختيار أربع مؤسسات دولية تهتم بقضايا عمل الشباب واليافعين. هذه المؤسسات هي:

1- المعهد العربي لإنماء المدن و مقره الرياض. ورغم أن المعهد، الذي هو الذراع التدريبية والعلمية لمنظمة المدن العربية، يهتم أساساً بقضايا المدن العربية والتحضر في المجتمعات العربية، فإنه أضاف بعداً اجتماعياً لرسالته باتفاقه مع البنك الدولي لإنشاء برنامج الأطفال والشباب ضمن برنامج الـGPYE يهتم بقضايا الأطفال والشوارع في المدن العربية.

2- المنظمة الدولية للشباب International Youth Foundation (IYF) والتي مقرها الأساسي في الولايات المتحدة لكنها متمددة في نطاقات جغرافية واسعة. و تهتم بقاضايا الشباب والتي منها، أو على رأسها، قضايا تدريب وتأهيل الشباب في أماكن مختلفة من العالم، عبر منهجية التدخلات ومباشرة تقديم برامج بهذا الخصوص. وتمتلك هذه المنظمة مكاتب نشطة في العالم العربي.

3- الشبكة الدولية لتوظيف الشباب Youth Employment Network (YEN) ومقرها سويسرا، وهي الأخرى منظمة دولية تركيزها الأساسي في المجتمعات الإفريقية و مثلها مثل IYF تقوم على منظور التدخلات.

4- منظمة فهم عمل الأطفال Understanding Children Work (UCW) ومقرها إيطاليا. وبخلاف المنظمات أعلاه، فإن هذه المنظمة لا تقوم بالتدخلات المباشرة بل بإنتاج المعارف والبحوث والدراسات حول عمل الأطفال وفهم آلياته و ديناميكاته وسبل ترشيده للحد من أضراره على الأطفال.

عملت هذه المؤسسات الأربع بتشارك ودعم من البنك الدولي خلال السنوات الخمس الماضية على قضايا عمل الأطفال والشباب، مع التركيز على تأهيل الشباب لسوق العمل وتصميم البرامج المناسبة لذلك. وفيما يخص الجهة العربية في هذه الشراكة الدولية، أي المعهد العربي لإنماء المدن وخلال الأربع سنوات الماضية من عمر الشراكة، فإن هذه الشراكة أضفت بعداً مميزاً للشراكة العولمية وللمعهد، كل واحد على حدة. ففي نطاق الشراكة الدولية، فإن المعهد العربي هو الجهة الوحيدة داخل نطاق هذه الشراكة الذي يهتم بتصميم برامج لمساعدة الشباب على منهجية التدخل من خلال الحكومات المحلية (مثل البلديات والمحافظات). لأن المعهد ذراع عملية لمنظمة تقوم على الحكومات المحلية للمدن، فقد تبنى إستراتيجية التدخل عبر إدماج الحكومات المحلية في مباشرة البرامج التي تهتم بالفئات الاجتماعية ومشاكلها، والتي هي في هذه الحالة فئة الشباب و مشكلة توظيفهم.

من خلال هذا النهج، قام المعهد بتصميم وتنفيذ برامج ودراسات حول عمل الشباب وظاهرة أطفال الشوارع في مدن عربية مختلفة مثل صنعاء والخرطوم والقاهرة و تونس وحلب وطرابلس اللبنانية معتمداً على نهج نسج شراكات بين منظمات المجتمع المدني والقطاعين الحكومي والخاص لتشييد برامج وتدخلات لصالح توظيف الشباب وفهم الجوانب المتعلقة بعمل الأطفال. في كل هذه البرامج، تكون البلديات والمحافظات ومجالس المدن العربية المنفذ الأساسي للتدخل، والذي يتم عبره إشراك بقية أطراف المجتمعات المحلية. نتج عن هذه البرامج ثلاث نتائج رئيسية: 1) تنمية مستدامة. وقد تحققت هذه النتيجة في حالة برناج نفذه المعهد في صنعاء قبل أربع سنوات للاهتمام بتشغيل الشباب وتم على إثره تأسيس برنامج مماثل داخل بلدية صنعاء لا يزال قائماً حتى اليوم برغم انتهاء برنامج المعهد مع البلدية قبل ثلاث سنوات. 2) تدخلات أحدثت تغييرات في حياة العشرات من الشباب العربي الذين ساعدتهم البرامج على الانتقال من الهامشية والعبثية إلى اكتساب المهارات والمعرفة ثم العثور على مهنة 3) معرفة بقاضايا الشباب العاطل وأطفال الشوارع، خاصة النفاذ عبر دراسات كيفية و مقابلات معمقة إلى تصوراتهم ومواقفهم حيال العمل والاستقرار والمهن المحبذة و أسباب عدم استقرارهم في مهنة ما أو عدم حصولهم على وظيفة.

انضممت حديثاً لفريق المعهد العربي الخاص بالأطفال والشباب. خلال البضعة أشهر القليلة الماضية، باشرت مهامي مشرفاً و مسيراً للمشاريع التي يقوم المعهد بإنجازها في بعض المدن العربية فيما يخص الشراكة أعلاه. تكونت لدي، كما لدى فريق العمل المختص بالمعهد، قناعة حول طبيعة العمل الاجتماعي الذي يقوم على فكرة جمع شركاء من مختلف القطاعات (حكومي، خاص، مجتمع مدني، أكاديميا) في المجتمعات العربية. تتلخص هذه القناعة في أن الصعوبة الأساسية في هذه الأعمال تكمن في التشبيك، أي شبك الشركاء ببعضهم البعض للتشارك في عمل ما. يمكن للصراعات الطائفية والسياسية في مجتمع ما أو للتناحر المؤسسي (بين قطاع حكومي و منظمات مجتمع أهلي) في مجتمع آخر أن يؤخرا مشروعاً واعداً لأشهر. هذه الحقيقة، التي هي تمظهر لما يسميه الأنثروبولوجيين بالمجتمعات الانقسامية، تعيق فكرة الشراكة، وبالتالي تعمل كآلية تعويق للنجاح.

تعد هذه السنة، 2013، آخر سنوات برنامج البنك الدولي للشراكة العولمية لتشغيل الشباب، والذي كان مقرراً له سنتان في الأصل لكنه مدد مراراً بسبب النتائج المثيرة التي يتم تحقيقها كل سنة. من المحتمل جداً أن يتوقف دعم البنك الدولي لهذا البرنامج. ورغم أن هذا سيعد تطوراً مؤسفاً لنا في المعهد العربي لكن الجانب الجيد أن فريق برنامج الأطفال والشباب في المعهد راكم كثيراً من الخبرات والمعارف والمهارات في تصميم برامج العمل التي تستهدف تشغيل الشباب وتشبيك الجهات المشاركة والإشراف على تنفيذ البرامج. نتطلع في المعهد لمصادر دعم جديدة تسمح لسفينة تشغيل الشباب العربي بالاستمرار بالإبحار و مواصلة اكتشاف مناطق عمل جديدة، مثل المدن الخليجية حيث لم يكن البنك الدولي يدعم العمل بمثل هذه المدن من منطلق أن مجتمعاتها غنية وهي أولى بدعم برامج التعامل مع بطالة الشباب فيها.

المصدر: صحيفة الشرق