أحمد الحناكي
أحمد الحناكي
كاتب في صحيفة الحياة اللندنية

حسن الترابي.. بين الديني والسياسي

آراء

مثّل السياسي السوداني المعروف الدكتور حسن الترابي ظاهرة منتشرة في العالم العربي والإسلامي، وهي أسلمة السياسة أو الإسلام السياسي. وبرحيله بنوبة قلبية قبل أشهر خسره الفكر الديني المتجدد، بينما العكس لدى من درس سيرته السياسية.

فللترابي مواقف كثيرة لن يغفرها له السودانيون (ولكي نكون منصفين بعض السودانيين) من جهة، ولن يسامحه الخليجيون من جهة أخرى.

فهو تحالف في المرة الأولى مع الرئيس الراحل جعفر النميري، الذي أسقط الديموقراطية وعملا معاً على أسلمة القوانين بصورة هزلية، ما أدى لاحقاً إلى إعدامات ظالمة، فضلاً عن قطع الأيادي للمئات من الأشخاص لتطبيق حد السرقة، وهو الذي لا يكاد يطبق لصعوبة انطباق الشروط على السارق أو المختلس.

بعد الإطاحة بالنميري تم انتخاب صهره الصادق المهدي، الذي أصبح رئيساً للوزراء، إلا أن الترابي وللمرة الثانية قاد انقلاباً مع الرئيس البشير، وأودعوا الصادق في السجن وعادوا أيضاً إلى الأسلمة بعد أن تم رسم مسرحية اعترف بها الترابي لاحقاً، هي أن الأمر كان سيناريو يتم فيه سجن الترابي آنذاك ثم يتم إطلاقه لاحقاً.

وقصته مع المهدي عجيبة، والقريبون منهما كانوا يرثون لحال وصال المهدي زوجة الترابي وشقيقة الصادق، وفي مقابلة معها بداية عام 2012 سألها الصحافي فتح الرحمن شبارقة:

* هل تشعرين سيدة وصال بأنك منقسمة بين زوجك الدكتور الترابي وأخيك الإمام الصادق عند حدوث مثل هذه الخلافات؟

– والله أنا عندي موقف سياسي ملتزمة به، لكن طبعاً أنت تعرف أن الإنسان له ميول لأهله وأقربائه و(الصادق دا أخوي يا أخوانا)، ولن أضحي به في أي مشكلة بين الحزبين.

* يقال أنك أشقى الناس في أي خلاف بين الحزبين؟

فعلاً.

صمتت برهة ثم واصلت:

– شقية شقاء شديد والله.

اختلف لاحقاً مع الحكم الحالي أي حليفه البشير وانفصلا، إلا أنه في الأخير تنازل عن مواقفه الوطنية عن الفساد والديموقراطية، وتحالف مع النظام مرة أخرى.

كانت حرب الخليج والتدخل الأميركي إنذاراً كبيراً بخطورة الإخوان المسلمين والحركات المتشددة الأخرى التي (عدا الخليجية منها) تحالفت ويا للعجب مع صدام حسين.

موقف الترابي من غزو العراق للكويت كان مشيناً، فهو كالإخوان المسلمين قاطبة (عدا إخوان الكويت بطبيعة الحال) رافض لتدخل الجيش الأميركي ضد العراقي بحكم أن هذا غزو أجنبي . طبعاً هذا حق أريد به باطل، فالكل يعلم أن لا أمل آنذاك بطرد صدام من الكويت إن لم تتدخل القوى الكبرى، ولم يكن هناك بديل، وبالتالي حجة الغزو الأجنبي كانت مفتعلة وكشفت عن الوجه القبيح للإخوان.

مع الإشارة إلى أن بعض إسلاميي السعودية دافعوا عن الترابي باستماتة (كما دافعوا عن أي إسلامي كراشد الغنوشي التونسي وعباس مدني الجزائري)، إزاء أي انتقادات طاولته، وربما يتذكر بعض المخضرمين المناوشات التي حدثت، وكان منبرها صحيفة «المسلمون» السعودية، إذ كان الصراع على أشده بين مناصري الترابي ومريديه من جهة، وبين المستنيرين من جهة أخرى مع سطوة الإسلاميين الواضحة آنذاك.

الترابي السياسي كان انتهازياً يبحث عن وصول حزبه حتى لو داس على المبادئ وركل القيم، فقد سجن في عهد النميري ثم تحالف معه، ثم تحالف مع الصادق المهدي، ثم انقلب عليه مع البشير، وبعد سنوات أبعده البشير فأصبح عدوه الألد، ثم تصالح مع البشير مرة أخرى، وفي كل تلك المرات كان يغير آراءه كما يغير ملابسه.

في الربيع العربي أيد الرئيس السابق محمد مرسي ثم دان الإطاحة به بحكم وأد الديموقراطية، والمثير للسخرية أن الترابي نفسه انتهك الديموقراطية وبشدة عندما انقلب على صهره الصادق المهدي، وبالتالي فمن العار أن يتشدق بما لم يلتزم به.

ما عمله الترابي يتكرر كثيراً في العالم العربي والشرقي، عندما يقحم رجل الدين أنفه في السياسة فيهدم كل ما بناه المتخصصون ورجال الدولة، ولو اكتفى بآرائه النيرة في الدين مثل حربه على الختان للنساء، وآرائه واجتهاداته الدينية وبالذات عن النساء لربما مات وهن يلهجن بالدعاء له، فحربه لختانهن وآراؤه عن إباحة أن تكون المرأة المسلمة إماماً لهم في الصلاة، فضلاً عن جواز أن تتزوج المسلمة مسيحياً كانت انفتاحاً أقرب إلى اليسار المتطرف للإسلام.

المصدر: الحياة