أحمد الحناكي
أحمد الحناكي
كاتب في صحيفة الحياة اللندنية

«صانع الابتسامة» .. يسرقها ويرحل

آراء

عبدالحسين عبدالرضا الفنان العملاق ترجل ومضى بعد أن صنع الابتسامة وانتزع منا الضحكة وزرع القهقهة. أبو عدنان الفنان الكويتي الأشهر خليجياً ومن الأشهر عربياً كان إلى وفاته مبدعاً ومبتكراً تغلبه ظرافته على جديته.

قدم الكوميدي الكبير فناً ملتزماً من دون إسفاف أو ابتذال، وشارك مع زملاء دربه سعد الفرج وخالد النفيسي وعبدالله الصلال وعلي المفيدي وغانم الصالح وعبدالعزيز النمش ومحمد جابر وحياة الفهد وسعاد عبدالله ومريم الغضبان ومريم الصالح وهيفاء عادل واستقلال أحمد في الكثير من المسرحيات والمسلسلات، لعل من أشهرها 30 يوم حب، وباي باي لندن، وباي باي عرب، وسيف العرب، وسوق المناخ، وبني صامت، وعزوبي السالمية كمسرحيات، أما المسلسلات فلن ننسى درب الزلق، وفريج العتاوية، فهما بحق قطع فنية تعكس الواقع الكويتي بداية بماضيها العتيد وبأيام الشقاء والكدح ثم أيام الانتخابات ودهاليزها وأسرارها.

قبل حوالى 35 عاماً تعرضت لحادثة كبيرة وأنا في طريقي إلى مدينة الخرج، ومكثت في المستشفى حوالى الشهر، وفي تلك الفترة تبرع أخي عبدالرحمن وجلب لي أشرطة مسلسلي درب الزلق وفريج العتاوية، وأصبحت هذه الأشرطة تسليتي الكبيرة.

وسبق أن شاهدت بعضها غير أن من يشاهد عبدالحسين وزملاءه سعد الفرج وغيرهم لا يمل ولا يكل. قد يعتقد البعض أنني أبالغ، لكن والحق يقال إنني كنت أضحك بكل قواي لددرجة أن القطعة البلاتينية التي كانت مغروزة في فخذي الأيمن (بسبب الكسر المضاعف فيه) كانت تؤلمني لكن خفة دم حسينوه (كما في المسلسل) لا تقاوم.

الموهبة الكوميدية لديه هي فطرة نشأت معه، وهكذا هم الظرفاء، وأعتقد أن تمثيل دور الظريف لا يمكن لشخص لا يتمتع بخفة الدم من الأساس، فحسين عبدالرضا وعادل إمام وناصر القصبي هم كذلك في حياتهم الخاصة، وهذا يتضح من خلال المقابلات والحوارات معهم.

ردة الفعل الجارفة الحزينة على رحيل أبي عدنان تعطي انطباعاً عن إنسانية الرجل ولو اعتبرنا أن الأمر مجرد عاطفة مردها صدمة الموت لما شاهدنا رفقاء دربه وتلاميذه وزميلاته وهم يبكونه بحرارة، استعرضت ردات الفعل ولا أخفيكم أنني بكيت معهم فهذا الوفاء يجبرك على التفاعل مهما كانت مشاعرك مع الراحل فما بالك وهو ممثلنا القدير والكبير؟

في مثل هذه المآتم تتحرك الخفافيش المظلمة كما تحركت من قبل في رحيل أعزاء على قلوبنا وربما نسي البعض، ولكننا لن ننسى، عندما تطاولت الهوام على الفنان الكبير طلال مداح والفنان الجميل بكر الشدي والكاتب المميز عبدالرحمن الوابلي وغيرهم الكثير، هؤلاء وعبدالحسين أمتعونا وأدخلوا البهجة في قلوب كثيرين بفنهم وإبداعهم ومبادئهم، فيما لم يقدم منتقصوهم إلا نفثاً بالحقد والكراهية والتجني والتكفير بغير وجه حق.

شبابنا السعودي، نساء ورجالاً، كانوا ويا للفخر عند المتوقع منهم وكالوا للحاقدين الكيل وانهالت التغريدات بالآلاف تشجب كل ظالم وتافه ومتخلف.

عبدالحسين عبدالرضا لم يكن يوما طائفيا ولم يكن يوما عنصريا ولم يكن يوماً إقليمياً، كان فناناً كبيراً محباً للكويت ومحباً للخليج ومحباً للعرب، وإنساناً طيباً يقف مع الجميع، وذهب للقاء ربه الذي بيده الثواب والعقاب، وليس بيد شراذم تدخل الناس النار والجنة وتخرجهم كما تشاء.

مجموعة كبيرة من المواطنين قدمت عرائض متتابعة من العزاء لعائلة الفقيد من جهة، واستنكاراً وشجباً لبهتان وممارسات الظلمة من جهة أحرى، ولكن السؤال المهم هو: وماذا بعد؟ هل يكفي الشجب والاستنكار؟ ألا يجب أن يصدر قانون لتجريم الطائفية وأخواتها، وما أكثرهم؟

ربما لاحظ المتابعون أن فناننا أبي عدنان قد تطوع في مصر أثناء العدوان الثلاثي عام 1956، فيا له من فخر ناله، ويا له من قبح تناول من حاول الحط من شأنه، وداعاً يا أبا عدنان، فقد كفيت ووفيت، رحمك الله.

المصدر: الحياة