عندما كنا أسياد العالم

آراء

تعلمنا منذ حداثة سنّنا أن الله يُعبد في أي مكان وتحت أي سماء وفي ظل أي نظام. تعلمنا أيضا أن الإسلام ليس دينا قوميا ينحصر في اتباعه بالولادة كما نرى في اليهودية أو الدرزية. حدثني صديق كندي تحول مؤخرا من البروتستانتية إلى الكاثوليكية: استغرقت عملية التحول عاما كاملا، فقلت له مازحا جادا إذا قررت يوما أن تتحول إلى الإسلام مر علي وأجعلك مسلما في عشر دقائق. وقلت له أيضا إن الإسلام هو أكثر الأديان عالمية لأنه ببساطة لا يحتاج من اتباعه إلا التخلي عن الشرك بالله والإيمان بأن محمدا عبده ورسوله. ليس لك مرجعية في الإسلام سوى إيمانك. تستطيع أن تكون بريطانيا مسلما، وصينيا مسلما، وأفريقيا مسلما. تبقى على حبك لوطنك وتحترم قوانين وطنك وتحمل الإسلام عقيدة. الإسلام ليس دولة أو عرقا أو قبيلة.

أخذني هذا الحوار إلى تأمل هؤلاء الذين يتباكون على دولة الخلافة ويتخلون عن أوطانهم في سبيل الانضمام إلى المنظمات التي تنادي بقيام دولة إسلامية تضم المسلمين تحت رعايتها.

الدعوة إلى الإسلام لا يفترض أن تنتهي بتكوين دولة إسلامية تضم العالم بأسره ليكون رئيسها رجلا واحدا يطلق عليه الخليفة تجلب له السبايا من كل مكان. السعودية والكويت -مثلا – دولتان مسلمتان بحكومتين مختلفتين، وبقوانين اجتماعية كثيرة بعضها متفق وبعضها مختلف. لم يخلّ هذا بإسلام السعوديين أو الكويتيين ولم يعن أن أحد الشعبين أفضل إسلاما من الآخر.

التفاضل في الإسلام يعود لكل فرد على حدة. لعلك تجد مسلما في بريطانيا العلمانية إسلامه أفضل واتقى من إسلام سعودي يعيش بجوار بيت الله الحرام.

لن توجد دولة واحدة تضم البشر. فالتمايز بين بعض المسلمين أكثر حدة من التمايز بين بعض المسلمين وغير المسلمين إذا استبعدنا العقيدة. ثمة اختلاف بين البشر في العادات واللغات والتطلعات وغيرها من الاختلافات التي لا يمكن أن تنتهي. لا تكفي وحدة الدين لإقامة دولة. حتى في العصور المتقدمة وجدت دول إسلامية متعددة تجاورت وتصالحت وتحاربت وزالت.

الإسلام لا يدعو لإقامة إمبراطورية استعمارية تفرض على الناس نفسها. ملايين من المسلمين لم يدخلوا الإسلام بالفتوحات بل بالدعوة الطيبة ودونك إندونيسيا كأفضل شاهد على أن الإسلام ينتشر بالدعوة. لم يحتج الشعب الإندونيسي إلى خليفة يحج عاما ويغزو عاما ليدخلهم في الإسلام. لم يكن دين محمد في حاجة إلى قوة إمبريالية تفرض الإسلام بالقوة على الآخر ومعظم القصص التي سيقت حول انتشار الإسلام بالسيف غير صحيحة وغير دقيقة. لا يمكن لعاقل أن يصدق أن جيش عمر بن العاص ادخل ملايين المصريين بالقوة في الإسلام والدليل القاطع أن أقباط مصر بقوا على دينهم ولم يعمل الفاتحون السيف في رقابهم أو أنهم شردوهم وسبوا نساءهم .

كانت الفتوحات التي انتهجها المسلمون الأوائل هي الوسيلة الوحيدة لتعريف الناس بالدين الجديد. البشر في تلك الأزمنة كانوا يحكمون بحكومات غاشمة ينتظرون من يأتي من الخارج لتحريرهم منها. الفتوحات اليوم عمل عدواني ضد الحرية والحق والعدل. بين أيدينا اليوم عشرات الوسائل لنشر الرسائل وتعريف الآخر بالإسلام والدعوة إليه مع احترام خصوصيات الشعوب وعاداتها واستقلالها. الغريب أن هؤلاء الذين يدعون لإمبريالية إسلامية يتفاخرون في الوقت نفسه أن الإسلام أكثر الأديان انتشارا حتى في أمريكا وبلاد الغرب. ما الداعي إذاً للقوة وبناء إمبراطورية عالمية طالما الإسلام ينتشر؟

يردد بعض الدعاة وأتباعهم عبارة (عندما كنا سادة العالم). عبارة عدوانية بكل الدلالات. من يردد مثل هذه العبارة يبرر الاستعمار البريطاني ويبرر الاستيطان الإسرائيلي ويبرر لواشنطن سيادتها على العالم. إذا كنت تحن لزمن سيادتك على الناس فمن حق الآخرين أن يتسيدوا أيضا. قال تعالى:

(… وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِين)

المصدر: الرياض
http://www.alriyadh.com/974677