د. بندر آل جلالة
د. بندر آل جلالة
كاتب و باحث سعودي

متى سيهتمون بالمثقفين والمؤلفين الشباب ؟!

آراء

المؤلف أشبه بالطباخ الذي يجمع مواد أولية ليصنع شيئاً مختلفاً ، فهو يجمع الأفكار من القراءة والملاحظة والتجارب ثم يُنضجها بالتفكير فيصوغها في عشرات الجمل فيتألف الكتاب ، والمُلاحظ أن أعداداً من الشباب يتقنون هذه المهارة .

لكن للأسف قصرت الجهات المعنية بالثقافة والشباب في هذا الجانب بشكل حاد ، ويبدو أن ذلك طبيعي طالما أنهم مقصرون أصلاً في تنمية ثقافتهم وفكرهم ، وكذلك الإعلام الذي يُبالغ في إبراز مواهب غنائية ورياضية شابة ويتجاهل -غالباً -الشباب البارعون في الفكر والثقافة .

من يزور بعض مكتبات الجامعات الغربية يجد قسماً خاصاً بكتب عميقة من تأليف الطلاب والطالبات ، وهذا يعكس اهتمام الجهات التعليمية بهذا النمط من الإنتاج الشبابي ، بل يبدأ الاهتمام بذلك منذ مراحل الدراسة الأولى ، و من الطبيعي أن يوجد في المكتبات العامة كتباً مميزة ألّفها أطفال وشباب في مختلف المجالات ، وفي المقابل نلحظ إهمال جامعاتنا المحلية ، حيث لا تكاد توجد جامعة تشجع ذلك أو تطبع ما يحاول بعض الطلاب والطالبات تأليفه بينما تصرف عشرات الآلاف في دعم نشاطات أخرى ذات تأثير محدود .

كما أن الغالبية العظمى من رجال الأعمال لم يدعموا الشباب مالياً لطباعة كتبهم بل يرفضون الاستثمار المالي في ذلك ، ويبدو أنهم يجهلون أن الكتاب عبارة عن منتج كأي منتج استهلاكي آخر ينتشر بقدر ما يُسوّق له ، وأذكر أنني شاهدت إعلاناتٍ لأحد الكتب وحين توجهت للمكتبة المُعلِنة أخبروني بكثرة الإقبال عليه ، لذا فالذين يحجمون عن الاستثمار المالي في نشر الكتب هم واهمون حين يتعذرون بأن أفراد المجتمع لا يقرؤون – وقد يكون ذلك صحيحاً بنسبة معينة – لكن لو تم تسويق الكتاب بشكل احترافي وجذاب فسوف ينتشر بشكل كبير ويؤثر بطريقة رائعة وسيكون لهم مردودٌ مالي ضخم .

إضافةً لكل ما سبق يتعرض من يعزم على التأليف إلى تحطيم شديد من قِبل غالبية المحيطين به ، حتى في بعض المحاضن التربوية حيث يتهمونه بحب الشهرة وأنه غير مؤهل للتأليف وغيرها من الجمل القاسية والقناعات المثبطة ، ويرددون مبررات مفادها أن التأليف يجب أن يكون بعد التقدم في السن ، لكنهم قد لا يعلمون أن كلاً من الشيخ أبو الحسن الندوي والطنطاوي والعقاد والألباني والرافعي والقرضاوي وسلمان العودة وعوض القرني ومحمد الشريف وغيرهم ألفوا في شبابهم كتباً لازال لبعضها صدىً واسعاً حتى الآن ، فالإنتاج في فترة الشباب يمكن تشبيهه بعمود طويل مستقر في قاع النهر ويظهر جزءه العلوي بتدرج ليلفت المجتمع بأن هنا منبع للتأثير لازال في بدايته وسيسعى للاستمرار .

لقد كشفت المدونات ووسائل التواصل الاجتماعي عن كمية هائلة من الكُتّاب الشباب المميزون ، فانتشرت كتاباتهم وأثرت في القراء بينما لازال المجال المتاح لهم ضيقاً من قِبل دور النشر وبعض الصحف.

ويبقى السؤال 🙁 متى سيهتمون بالمثقفين والمؤلفين الشباب ؟! ) ..

خاص لـ (الهتلان بوست )