مواجهة إيران… وخطاب الرصاص

آراء

الخناق يضيق على إيران، فتقرير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أدان تسليح إيران لميليشيا الحوثي، وقد عقدت المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي مؤتمراً صحافياً الخميس الماضي، في إحدى القواعد العسكرية الأميركية قدمت فيه أدلة واضحة على إدانة النظام الثوري الإيراني بدعم مباشر بالأسلحة والصواريخ الباليستية التي تستهدف المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وعرضت لأول مرة حطام الصاروخ الذي استهدف مطار الملك خالد الدولي بالرياض، مع عددٍ من الأدلة الأخرى.

الخناق يضيق على ميليشيا الحوثي، الذراع العسكرية للحرس الثوري الإيراني في اليمن، والميليشيات الإيرانية في لبنان وفي سوريا وفي العراق ستواجه نفس المصير، وإن اختلفت السبل لتحقيق ذلك كله حسب اختلاف المعطيات وحجم المتغيرات، ولكن السلاح خارج الدولة سيتم نزعه ضمن استراتيجية دولية يتم بناؤها.

الإدارة الأميركية تبنّت بنفسها الدعوة لتحالفٍ دولي لإدانة إيران وإيضاح تهديداتها للأمن الإقليمي والدولي، وهي تأخذ موقفاً تصعيدياً ضد إيران وتسعى لإقناع حلفائها من الدول الأوروبية بحقيقة خطورة إيران الراعية للإرهاب والطائفية والفوضى.

وهي خطوة جديدة من هذه الإدارة الأميركية الواعية بالخطر الإيراني بعد موقفها من الاتفاق النووي مع إيران، وهي تتجه إلى تشكيل تحالفٍ دولي يواجه كل مخاطر إيران وسياساتها التخريبية واستراتيجيتها الإرهابية في المنطقة والعالم، وهو توجه يرجع إلى مصلحة أميركا نفسها ومصلحة دول العام أجمع، ولئن أعشت بعض المصالح الآنية بعض العواصم الأوروبية عن رؤية الخطر الذي تمثله إيران، فقد حان الوقت لتستفيق.

حين تتم تعرية المشروع الإيراني ومجابهته دولياً فلن يكون بيد حلفائها الإقليميين الداعمين للإرهاب في إحدى الدول الإقليمية وفي قطر إلا التراجع عن دعم الإرهاب وميليشياته وتنظيماته وجماعته، من «الإخوان المسلمين» إلى «داعش»، ومن «حزب الله» اللبناني إلى ميليشيا الحوثي.

لم يكن الوصول إلى نظامٍ دولي جديدٍ في العالم أمراً سهلاً بأي حالٍ، فمنذ معاهدة وستفاليا مروراً بعصبة الأمم وصولاً إلى الأمم المتحدة، كانت الرحلة مليئة بالنزاعات والصراعات، والمعارك والحروب، منها حربان عالميتان، ومخطئ من يظن أن مواجهة إيران وإعادتها للخضوع مجدداً للنظام الدولي ستكون سهلة، فكثيرٌ من السلام والاستقرار الذي يعيشه العالم اليوم صنعته الحروب والآلام.

خطر الصواريخ الباليستية الإيرانية لا يتوقف على بعض مطارات أوروبا، كما تحدثت هيلي في مؤتمرها الصحافي، بل هو يصل إلى العديد من العواصم في شرق آسيا والعديد من المدن الصينية ودول آسيا الوسطى وأجزاء من روسيا، فضلاً عن العديد من الدول العربية ودول المنطقة.

كيف تفكر قيادات إيران؟ وكيف تفكر قيادات «الإخوان المسلمين»؟ وكيف تفكر قيادات كل جماعات الإسلام السياسي؟ إنهم يفكرون في القتال والحروب الدائمة للسيطرة السياسية باستخدام جميع أنواع الأسلحة بلا استثناء، واستخدام كل المحرمات الدينية والسياسية وغيرها لتحقيق أهدافهم، وهم ينتظرون مخلّصاً يمهدون له آيديولوجياً، وهؤلاء، كما قال الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، لا يمكن التفاهم معهم.

فمن ذلك، القدرة على التحول السريع، والرهان على قلة الوعي والعلم، مع حملات التحشيد وزرع الاتهامات والتشكيك في الدولة والقيادة، كلها أدوات سياسية أتقنتها قيادات جماعات الإسلام السياسي، السُّنِّي منها والشيعي، مع قدرة عجيبة على التحول غير المنطقي وغير الموضوعي بين خطابين متناقضين في وقتٍ واحدٍ تقريباً، خطاب الرصاص بما يستدعيه من عنفوان القوة والتحدي الفكري والواقعي والعملي، وخطاب المظلومية والحزن والألم والانكسار.

وبالنظر إلى أصول الخطابات، يمكن للمتابع رصد كثيرٍ من التشابه بين الخطابات القومية بأنواعها واليسارية بأصنافها، وخطابات الإسلام السياسي بتصنيفاتها، سُنية كانت أم شيعية، في التعامل مع اللحظة الراهنة والواقع المعيش تجاه الملفات الكبرى في المنطقة وتطوراتها، لأن هذه الخطابات تصدر عن منابع متشابهة مهما بدا بينها من اختلافات أو تعارضات.

تطرح هذه الخطابات مواقف متناقضة في هذه المرحلة التي نعيشها اليوم، والتناقض مع استحالة تبريره منطقياً هو مسلكٌ سياسي مفيدٌ في بعض الأحيان وبالذات في لحظات الأزمات المهمة، ولفهم ما يجري، يمكن طرح أسئلة بالغة الأهمية في هذه المرحلة، من مثل: لماذا تُظهر جماعاتٌ فلسطينية بغضاء غير مسبوقة وغير مبررة للمملكة العربية السعودية، الداعم الأكبر لقضية فلسطين والقدس؟ ولماذا تتغول ميليشيا الحوثي في اليمن؟ وتدعمها قطر بكل ما تمتلك من مالٍ؟ وتدعمها تركيا وتزايد في قضية هي أكبر الخاسرين فيها بعلاقاتها المستمرة مع الحكومة الإسرائيلية سياسياً واقتصادياً بل وعسكرياً؟

التناقض يشكل قوة أحياناً، وإعجاز الناس عن الفهم ينطلق من الشعور بكثرة الأتباع وجهلهم، وإحكام السيطرة عليهم، والشعور الدائم باعتقال أذهانهم، وهو أمرٌ ليس سهلاً بحالٍ، ولكنه بالغ التأثير، وهو أسلوبٌ استخدمه هتلر وموسوليني وغيرهما، ومن هنا جاء تشبيه الأمير محمد بن سلمان لخامنئي بهتلر، وهو ما لم يفهمه بعض الدول الأوروبية بعد.

مَن الذي قضى على «داعش»، حيث أبشع نماذج خطابات الرصاص السني؟ ولمن يتم منح القدرة على القضاء عليه في العراق وسوريا؟ هل للحشد الشعبي الطائفي الإرهابي وخطاب الرصاص الشيعي؟ أم لقوات الدولة العراقية وقيادة وضربات التحالف الدولي؟ أم لتخاذل أوباما السابق؟ ثم مَن الذي سيقضي على الحوثيين في اليمن، حيث مثالٌ صارخٌ على خطاب الرصاص والتوسع والنفوذ الإيراني؟

فتِّشوا عن هذه الخطابات، وهذه المقولات، وهؤلاء الرموز الذين يطلقونها، وستجدونها جميعاً تصب في مصلحة الأعداء والخصوم، يحزنون لما يسرّ السعودية ودول الخليج والدول العربية، ويفرحون لما يضرها ويزعزع أمنها واستقرارها.

المحزونون لتغير الأوضاع، وإعادة ترتيب توازنات القوى في المنطقة هم بكل صراحة أتباع الوضع الماضي، الوضع الذي أضاع من تاريخنا وتراثنا وثقافتنا كل جميلٍ، وهم الذين وضعوا قواعد وأسس ومعايير، خرّبت البلدان العربية، ودمرت شعوبها، على مدى عقودٍ، كلّها كانت تتغذى على أزمات المنطقة وتستغلها لمصالح شخصية أو حزبية أو آيديولوجية، كانت جميعاً وبالاً. أخيراً، لم تزل تتشكل في المنطقة تحركات كبرى تقودها السعودية وحلفاؤها من الدول العربية والدول المسلمة، وحلفاؤها الدوليون غرباً وشرقاً، وهي تسعى جهدها للإمساك بخيوط اللعبة الإقليمية مع تجاوز توازنات الماضي، والعمل الواقعي في الحاضر، وبناء مستقبلٍ أفضل، ولكل متابعٍ أن يفتش في كل الملفات ليكتشف هذه الحقيقة.

المصدر: الشرق الأوسط