هل هناك إسلام وسطي؟

آراء

علق متهكماً؛ أحد الألمان المفاوضين في تنفيذ عقد حكومي عند عبارة: تسليم المشروع وفق مواصفات عالية، بالسؤال: ما المقصود بكلمة عالية في العقد؟ وأشار بيده إلى مستوى الأرض، وقال: هل هذا هو المستوى العالي؟! ثم رفع يده إلى الأعلى، وقال أم هذا هو المستوى العالي؟! ثم أوضح أن صفة «عالي» ما هي إلا عبارة مطاطية، لا يمكن للطرفين المورد والمستهلك النظر إليها وتعريفها بالطريقة نفسها.

يتبادر إلى ذهني المثال نفسه في كل مرة أسمع فيها مصطلح «الإسلام الوسطي»، فأسأل نفسي: إلى أي درجة هو وسطي؟ سيقول البعض إن صفة «وسط» يحددها النص الديني المقدس الثابت الصحيح الذي يُزكي الوسطية ويمتدح الاعتدال، ولا مشكلة إطلاقاً من الأخذ بهذا النص والامتثال له، لكن وفق أي فهم للنص سأتوافق معك؟ الفهم الذي يقرره عقلي أم عقلك أم عقل العالم الشرعي الذي تتبعه؟! كأننا خرجنا أنا وأنت من جدالنا حول ظرف المكان «وسط» إلى ظرف أكثر تعقيداً يرتبط بفهم النص وتأويله.

لنبدأ من خط البداية؛ الإسلام في قلوبنا جميعاً هو رمز الجمال والاستقامة؛ فهل ستعتبر تعلقي المبالغ في الجمال تطرفاً؟ أم هل ستعتبر تمسكي الشديد بالاستقامة غلواً؟ إذا كانت إجابتك بأن التعلق بالجمال الروحاني والتمسك بالنهج تحده درجة المعقول والممكن، فكأننا مرة أخرى خرجنا أنا وأنت من تعريف صفة «وسطي»، ودخلنا في مأزق جديد يدور حول معنى المعقول والمنطق بالنسبة لي ولك.

ورغم هذا كله؛ سأقول لك: إجاباتك وتعليقاتك وتعليلاتك يحركها حبك للإسلام، تراه في داخلك جميلاً، لكنك عندما ترى الاختلاف بين الفرق والجماعات الإسلامية والتناحر بينها، تشعر بالغضب وتخشى أن يساء إلى دين سكن قلبك، فتصفها بالتطرف وتصف نفسك بالوسط؛ وفي المقابل هم كذلك يفعلون ويصنفونك.

عودة إلى المفاوض الألماني؛ قال: دعونا نحول صفة «عالي» في العقد الذي بيننا إلى مقاييس رقمية، نحولها إلى معادلة حسابية تُنهي الخلاف، وهكذا الإسلام الوسطي؛ هو معادلة يتحول فيه المنتج النهائي لعقيدتنا وسلوكنا إلى شكل تصنيف دولي: الأول في مؤشر السعادة والرفاهية، الأول في عدد الاختراعات والبحوث العلمية، الأول في التعليم والصحة والأمن.

وأخيراً، هل تعلم من هو إمام الوسطية عندي؟ هو القائل: أنا وشعبي لا نرضى إلا بالمركز الأول!

المصدر: الإمارات اليوم