فهد الدغيثر
فهد الدغيثر
كاتب سعودي

«Saudi Arabia»

آراء

أحياناً يشعرني البعض بنوع من القلق المبالغ به حول السعودية، بسبب ما يبدو وكأنه مؤامرات تحاك هنا أو هناك في المنطقة أو في الغرب، تهدف إلى تقسيم الوطن، أو على الأقل إلحاق الأذى به في ما يساعد على تقسيمه في وقت لاحق.

هناك من يصيبه الهلع من تحركات الحوثيين أو إيران في المناطق القريبة منا. الحقيقة أن هذه الأحداث تقع بالفعل في اليمن وفي سورية والبحرين بواسطة إيران. كما أن بعض السيناريوهات «المخيفة» تتردد كثيراً ويتم تسريب بعض الأوراق المتعلقة بها من مراكز بحوث غربية. وجميعنا يعلم أن مراكز البحوث ليست إلا دراسات يقوم بها بعض «الخبراء» بغرض بيعها على بعض الدوائر الاستراتيجية حول العالم، على أن القلق الذي أشرت إليه ويشعر به البعض منا يتصل بسبب واحد لا ثاني له، وهو عدم المعرفة والإلمام بحجم السعودية عالمياً.

نعم يستطيع أي شخص أن يقول إن بإمكان هذه القوة أن تفتت هذه الدولة أو تلك، ومثل هذا القول يبقى مجرد أمنيات هوائية ما لم تدعمه عناصر القوة والضعف الكامنة لدى الدولة الهدف.

لكن، هل السعودية – في نظر العالم – هشة وضعيفة إلى هذا الحد الذي يجعلنا نقلق عند سماعنا أو قراءتنا لمثل هذه التقارير؟ بالطبع لا. السعودية كيان قوي يعتز بوحدته العظيمة وباحتضانه لأقدس بقاع الأرض، في مكة المكرمة والمدينة المنورة. جميع القوى العالمية تدرك أهمية ذلك. من يجرؤ على المساس بجغرافيا مثل هذه من دون أن يفقد الكثير، ونحن نعرف أن مثل هذه المسائل في النهاية – وأقصد الاعتداء على الدول – تخضع لحسابات الكسب والخسارة؟

المملكة دولة ذات سيادة، وتملك مبادرات كبيرة تخرج في أوقاتها المناسبة لا يجرؤ على القيام بها كيان ضعيف يهتز، وقادة هذه البلاد يدركون ذلك جيداً. لنتذكر القرار الحاسم في إدخال القوات العسكرية إلى البحرين وقطع الطريق على من كان ينوي تغيير هوية تلك المملكة.

هل تقوم بهذا الإجراء دولة خائفة؟ أذكر الارتباك الذي بدا على بعض ساسة دول العالم الغربي بعد نشر شاشات التلفزة صور الآليات العسكرية السعودية المتراصة وهي تعبر جسر الملك فهد. خرجت تصريحات منددة ومواقف غامضة متلعثمة، أما نحن، مَن أرسل القوات، فكنا ننام بكل هدوء وطمأنينة.

هل ننسى موقف المملكة بالاعتذار عن عضوية مجلس الأمن غير الدائمة؟ لو كنا دولة ضعيفة تبحث عن المناصب والضجيج فهل كنا سنرفض ذلك المقعد المهم؟ أعرف أن هناك ومن أبناء البلد من لديه وجهة نظر مختلفة حول الاعتذار، غير أن هذا ليس موضوعنا. الموضوع أن المملكة ومن موقع الشعور بالقوة رفضت وشرحت للعالم أسباب الرفض.

أسألكم أعزائي القراء، من كان بإمكانه من بين كل دول العالم وبتلك السرعة والحسم أن يؤيد قرار الجيش المصري الانحياز للشعب الذي خرج في 30 حزيران (يونيو) بإسقاط حكومة «الإخوان» فقط بعد ساعة من الإعلان. المملكة فعلت وأصدرت بيانها في الليل ولم تنتظر حتى شروق الشمس. هل هذه تصرفات دولة من ورق؟ لعلكم تذكرون أيضاً رحلة الأمير سعود الفيصل إلى فرنسا وقطعه الطريق أمام ما كان البعض يحيكه في مجلس الأمن حول تعليق عضوية مصر بعد تلك الأحداث.

مملكتنا العزيزة على نفوسنا كيان قوي وراسخ منذ أن تأسس على دماء الأجداد بقيادة الفذ عبدالعزيز. هي دولة كسبت احترام العالم من خلال تصرفاتها المبدئية المتزنة في السياسة وفي الطاقة أيضاً، وأقصد بذلك استشعارها المسؤولية في خلق التوازن بين العرض والطلب لأهم سلعة في العالم وهي النفط، وهذا ما ينتظره العالم من دولة تملك أكبر احتياط نفطي في هذا الكوكب. الحقيقة وأقولها بلا مراء، لم يصدف عندما أسأل أي خبير سياسي أو رجل أعمال عن المملكة ومواقفها عالمياً أن وجدت إجابة سلبية أو مشتتة. كوني سعودياً أشعر باحترام العالم لي.

لم يشوّه هذا المشهد إلا غدر حثالة نادرة من أبناء الوطن ممن شارك في منظمات وعمليات إرهابية في الداخل والخارج، لكن الدولة والشعب تصدوا لذلك، وتم تطهير بلادنا منهم. نعم يوجد بقايا للفكر إياه، وقليل من الدعم المعنوي من بعض ضعفاء النفوس، لكننا جميعاً لذلك بالمرصاد. بالأمس القريب صدرت الأوامر الملكية التي تجرّم هذه الأفعال ومن يدعمها وسيبدأ تطبيقها قريباً. نعم توجد مبالغة كبيرة في محاولات الإبقاء على المجتمع محافظاً ومتشدداً أكثر مما يجب، ما يسبب بعض الفشل في التنمية الاقتصادية وبعض الضيق لنا باعتبارنا مواطنين، لكن الزمن القصير وحده كفيل بضمان الانفتاح المنضبط الذي نأمل به. نعم نحن بحاجة إلى تنويع مصادر الدخل وتنظيم الاقتصاد وإعادة هيكلته، وهذا قادم، إذ لا مجال لتفاديه أو تجاهله.

وأخيراً، نعم حدثت لدينا ثغرة في التخطيط عندما هبطت مداخيل الدولة قبل 10 أعوام، وها نحن نحاول بكل قوة ترميمها من خلال تأمين الرعاية الصحية والتعليمية والسكن للمواطنين من خلال إنفاق مالي هائل لا سابق له. لم يقل أحد إننا كيان كامل من الداخل.

أعود إلى المملكة في عيون العالم. إذ لا يمكن أن أنسى في عام 1974 بعض المقابلات التلفزيونية التي أشاهدها وللمرة الأولى لمسؤولين سعوديين عندما كنت مبتعثاً للدراسة في الولايات المتحدة. الأولى كانت مع الأمير سعود الفيصل في محطة «سي بي إس» الأميركية، وأثناء نشرة الأخبار الرئيسة في أعقاب توقف النفط السعودي للغرب، كانت لحظات مليئة بالزهو لي وأنا أشاهد احترام كبير مذيعي المحطة لوزير خارجيتنا الأنيق مظهراً وتهذيباً، وهو المتخرج من «برينستون».

المقابلة الأخرى كانت في برنامج «فيس ذا نيشن» مع الوزير أحمد زكي يماني خريج «هارفارد»، وقابله المذيع الشهير بوب شيفر. شخصيتان تملكان الكاريزما القوية واللغة والمنطق والهيبة، وشدت الملايين من المشاهدين.

ولا ننسى بالطبع الظهور المتكرر للملوك فيصل وفهد وعبدالله على أغلفة كبريات المجلات العالمية، مثل مجلتي الـ«تايم» والـ«نيوزويك» ومجلة الـ«إيكونوميست» البريطانية، مع التغطية اللائقة داخل تلك الإصدارات عن المملكة وعن هذه الشخصيات.

الذي قصدته من كتابة هذه المقالة نظرة العالم لنا بوصفنا دولة وشعباً، أكتبها قبل أسابيع قليلة من زيارة الرئيس الأميركي أوباما إلى السعودية، وجميعنا يعرف ما الذي دفع الرئيس لهذه الزيارة. أقول يجب أن نفخر بمنجزنا الذي لم يتجاوز عمره القرن الواحد، يجب ألا نرتعش من تحركات بعض الناقمين المفلسين وترويعهم لنا. السعودية يحسب لقراراتها ألف حساب في الأروقة الدولية والمنظمات العالمية والمؤتمرات، ولو قمت بعملية بحث عن مفردتيSaudi Arabia في أي محرك فستجدها الأكثر وجوداً من بين دول المنطقة بلا منازع، سواء في المحتوى الإلكتروني أم في الصحف أم في الكتب وعلى مستوى العالم.

هل يعني هذا أن نتوقف عن النقد أو السعي للإصلاح في مسيرتنا؟ بالطبع لا، لكن ننتقد بعين المحب الذي يفخر وليس من زوايا الناقم الحاقد أو اليائس من أي منجز. ننتقد لنرتقي بما نملكه لا لنهبط به ونتندر عليه في كل مناسبة. ننتقد لكن لا ترتعد فرائصنا من بعض الأنظمة الفاشلة التي تبحث عن الأعداء وخلق المشكلات، فقط لتستمر في الحكم.

المصدر: الحياة