من مكتبه الأنيق، يطل على «خور دبي»، منظر ساحر لهذا الشريان المائي الجميل. ومن مكتبه، يشاهد حركة لا تهدأ لقوارب صغيرة تقل البضائع والسواح والمتنزهين، وعمالا كثر يمشون على حافة «الخور»، كلهم حيوية لا تكاد تنطفأ.
وفي كل صباح، وهو يحتسي قهوته ويطل من نافذته على حركة الناس تحت هذا البرج العملاق الذي يطل منه، يتمنى لو أنه هناك.. تحت، مع أؤلئك البشر الذين لا يتوقفون عن الحركة إلا قليلاً.
مرة لم يعد يحتمل الأمنية من «فوق» فنزل إلى حيث الناس، استنشق رائحة الخليج وأطلق قدميه على الرصيف كما لو أنه للتو يكتشف متعة المشي إلى جوار البحر، وحينما قرر أن يستريح قليلاً على كرسي خشبي إلى جوار الماء، سأل أحد العاملين هناك إن كان يشعر بسعادة العمل على الرصيف، إلى جوار البحر، فأبلغه العامل بحلمه أن يعمل في مكتب أنيق لكن ظروفه لم تسعفه.
من بعيد، تبدو الأشياء غالباً على غير حقيقتها. فالموظف الكبير صاحب المكتب الأنيق المطل على البحر يشعر كثيراً كما لو كان «أسيراً» للوظيفة التي عزلته في «برجه» عن الهواء الطلق فلا يرى البحر إلا من خلف زجاج.
يتمنى لو يقضى وقتاً أطول يمشي إلى جوار الماء كما يفعل المئات من العاملين على الرصيف. والعامل على الرصيف يرفع رأسه فوق، إلى البرج الممتد نحو السماء حالماً لو كان له هناك، فوق، مكتب وثير يطل منه على البحر وعلى الناس فوق الرصيف، كلاهما سجين واقعه، وكلاهما يظن أن سعادته في المكان الذي لم يصله بعد، أو لا يقوى على وصوله.
وقد لا نفهم لماذا يتمنى صاحب مكتب أنيق وثير يطل على البحر من برج مهيب لو كان -ولو لساعات- يقود قارباً صغيراً ينقل السائحين بين ضفتي المدينة ثم لا يعود لمكتبه أبداً!
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (١١٦) صفحة (٣٦) بتاريخ (٢٩-٠٣-٢٠١٢)