كاتب إماراتي
من المتوقع أن تفتح سوق المال السعودية «البورصة» أمام استثمارات المؤسسات الأجنبية في غضون أقل من أسبوعين في خطوة يتوقع أن تترتب عليها تداعيات مهمة، سواء على مستوى أحجام التداول أو إدماج البورصة السعودية في النظام الدولي. والمعروف أن البورصة السعودية هي الأكبر بين البلدان العربية والأفريقية بقيمة اسمية تبلغ أكثر من 550 مليار دولار، وبتنوع في عدد القطاعات للشركات المدرجة، حيث يحتل القطاع الإنتاجي والشركات الصناعية، «كسابك» أهمية كبيرة إلى جانب قطاع البنوك والخدمات، وهو ما تفتقر إليه العديد من البورصات العربية، مما قد يشكل عامل جذب للاستثمارات الأجنبية.
وفي تقرير لها، أوردت هيئة السوق السعودية الإيجابيات التي يمكن أن تتمخض عن فتح البورصة لرؤوس الأموال الأجنبية، كارتفاع حجم التداول، وزيادة الشفافية والإفصاح والتقليل من المضاربات، إذ يبدو أن إمكانية ارتفاع أحجام التداول وزيادة الشفافية صحيحة إلى حد بعيد، مما سيدعم الجاذبية التي تمتلكها بفضل الاستقرار السياسي والاقتصادي والنمو المرتفع المدعوم بعائدات النفط، كما هي الحال في بقية الأسواق المالية الخليجية.
وفي الوقت نفسه، فإن عملية الانفتاح بحد ذاتها لا تكفي، إذ إنه لا بد أن يصاحبها تطوير لمنظومة التشريعات والقوانين الخاصة بالشفافية والإفصاح، خصوصاً أن جزءاً كبيراً من رؤوس الأموال المستهدفة ستأتي من بلدان تتمتع بمستوى مرتفع من الشفافية، وهي ستقوم بدراسة هذه التشريعات والأنظمة قبل اتخاذ أي قرارات خاصة بالاستثمار، مما يؤكد استنتاج هيئة المال السعودية.
أما فيما يتعلق بالحد من المضاربات، فإن هذا الاستنتاج من قبل الهيئة بحاجة إلى مراجعة، حيث من المتوقع أن يحدث العكس، كما تشير إلى ذلك تجارب البلدان الخليجية التي سبقت المملكة في هذه الخطوة، فالاستثمارات الأجنبية سوف لن تكون جميعها مؤسساتية وبعيدة المدى، بل سترافقها الأموال الساخنة الباحثة عن الربح السريع والمعتمدة على المضاربات والدخول والخروج السريع، مما قد يؤجج المضاربات بشكل عام في بعض الأوقات بدلاً من أن يساهم في تخفيضها. ومع ذلك، فإن هذه الأموال الساحنة يجب أن لا تعيق هذه الخطوة المهمة، التي تعتبر إيجابية في مجملها، إذ يمكن سن تشريعات جديدة تحد من قدرة المضاربين الأجانب، وبالأخص إيجاد شركات صانعة السوق، التي لا زالت أسواق المال الخليجية تفتقر إليها بصورة كبيرة، فغياب مثل هذه الشركات سيتيح مناورة أكبر لتلاعبات الأموال الأجنبية الساخنة، والتي ربما تجاريها الأموال المحلية مدفوعة بإغراءات الأرباح السريعة، مما قد يضر بسمعة البورصة ويحولها إلى سوق للمضاربات بصورة أساسية. جانب آخر مهم يكمن في أن فتح سوق المال أمام الاستثمارات الأجنبية سيلبي أحد أهم شروط انضمام البورصة السعودية للأسواق الناشئة، وذلك بعد انضمام بورصتي الإمارات وبورصة قطر لهذه الأسواق العام الماضي، مما سيزيد من جاذبيتها، باعتبارها سوق ناشئة تتمتع بعوامل جذب لرؤوس الأموال الأجنبية.
وبانضمام السوق السعودية مستقبلاً للأسواق الناشئة، التي ربما تتبعها أسواق الكويت وعُمان والبحرين، فإن مسألة التنسيق بين البورصات الخليجية ستصبح أكثر إلحاحاً، أولاً لضرورة توحيد الأنظمة والتشريعات لحمايتها من التداعيات السلبية، مع الاستفادة من تجارب الأسواق التي انضمت أولاً لقائمة الأسواق الناشئة، وثانياً للحفاظ على بقاء البورصات الخليجية ضمن هذه القائمة، وعدم استبعادها مثل ما حدث لبورصة الدار البيضاء العام الماضي لأسباب عديدة، مما قد يجد له انعكاسات غير مرغوبة على تطور أسواق المال الخليجية.
وإذا استطاعت هيئات المال الخليجية من تنسيق جهودها وتوحيد أنظمتها لتقوية البنية التشريعية لأسواقها، فإنه بإمكان البورصات الخليجية تحقيق تقدم آخر باتجاه التحضير للالتحاق بالأسواق المتقدمة، وهو ما سوف يمنحها قوة دفع إضافية ويضعها جنباً إلى جنب مع الأسواق المالية للبلدان المتقدمة ذات المصداقية الكبيرة والجاذبة للاستثمارات الأجنبية، مما سيكون له تداعيات إيجابية على التنمية والنمو الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي.
المصدر: الاتحاد