محمد خميس
محمد خميس
محمد خميس روائي صدر له من أمريكا رواية لفئة المراهقين بعنوان "مملكة سكابا" ، وله باللغة العربية مسرحية أدبية بعنوان "موعد مع الشمس"

أبشرك يا بنت مائير

آراء

ذكرت غولدا مائير رئيس وزراء حكومة إسرائيل 1969 الى 1974 مرة ” إن العرب لا يحسب لهم حساباً حتى يتعلموا كيف يصطفون في الدور عند انتظار الحافلة” ونحن بدورنا نبشرها، بأنه لا داعي لشعبها ان يحسب لنا حساباً، فنحن ما زلنا لم نتعلم كيف نصطف في الدور، بل نكره النظام، ونعشق الفوضى.

مازلنا بعدين جداً من الإنتظام في أي أمر، ما ان ننتهى من مسببات الفوضى لدينا، حتى نخترع علل اخرى لإحيائها، طمئني شعبك يا بنت مائير، وشجعيهم ان يمضوا فيما هم ماضون فيه، فنحن بعيدين جداً من ان تحسبوا لنا حساب، نحن للأن لم نستوعب ان لنا عدو واحد مشترك علينا مواجهته متحدين، فاخترنا الإنقسام، لتضيع جهودنا ما بين الضفة والقطاع.

نحن بتنا علماء في الفوضى، نتفنن في إختراع معاني جديدة لها ، وكل انواع الفوضى جربناها بلا استثناء، وان كنتي تعتقدين ان الفوضى في طوابير الحافلات وامام افران الخبز، هي علتنا، فأنت مخطئة، نحن فوضيون في علاقتنا بأسرنا، بجيراننا، بشوارعنا، نحن فوضويون حتى في أكلنا، وفي صحتنا، نحن فوضيون في قرائتنا وانتقائنا للأفلام، وفي تمثيلنا وأغانينا، نحن فوضيون حتى في مياعتنا، ومن زود محبتنا للفوضى، أقحمناها في ثقافتنا، فصرنا نختلف على ما هو واضح، نحن فوضويون في تسوقنا، وفي احاديثنا الجانبية، نحن فوضويون لدرجة الإدمان، وحتى في إدماننا للفوضي فوضويون.

نحن يا بنت مائير، فوضويون في اختلافاتنا وطريقة مناقشاتنا، تستطيعين ان تشاهدي احدى برامجنا ويدعى “الإتجاه المعاكس” لتتعرفي على مدى استهتارنا بالفوضى، وعلى مدى رفضنا ومحاربتنا للرأي الأخر، نحن فوضويون في مسؤولياتنا، وفي التعاطي مع واقعنا، في تجاهلنا للمخاطر المحدقة فينا، نحن فوضويون في النظر الى شعبك، وان أردتي ان تجعلي شعبك يضحك، فانصحيهم ان يراقبوا فوضويتنا في التعامل مع نسائنا، وفي فوضوية نسائنا في التعامل مع رجالنا، نحن يا غولدا واسمحلي لي ان اخاطبك بإسمك الأول من دون ألقاب، فنحن فوضويون حتى في اطلاق الألقاب، وفي عشوائية انتقاءنا لأوقات الإختلاف، فوضويتنا ستجدينها في طريقة إذاعتنا لأخبارنا، في تحيزنا لجانب دون اخر، في اقصائنا للأخر، في توددنا ونفاقنا للبعض، في طريقة مشاهدتنا لأخبارنا، في بكائنا وحتى في ضحكنا، في إحتفالاتنا وحتى في أسفارنا، نحن يا معاليك، فوضويون في هجائنا وفي مدحنا، في تكبرنا، فوضتنا معاليك ستلامسينها في مناهجنا الدراسية، وفي نظام تعليمنا، وبوضوح أكبر في فتاوينا.

لا يزال يا معالي رئيس الوزراء لدينا رجل فوضوي، خريج مدرسة الفوضى مع مرتبة الشرف، يقصف شعبه، ويقتلهم بلا رحمة وبفوضى في كل يوم، وبإصرار عجيب، وكأنه يمهد لإبادتهم ليسهل لكم مهمتكم، لن يبقي منهم على احد تفاوضوه في شيء، أو تحسبوا له حساب، هو فوضوي في تفكيره، يعتقد انه باقي للأبد، هل لاحظتي كم نحن فوضويون في تفكيرنا، فهل يعقل ان يطلب شعب من رجل الرحيل، ويثور عليه، وبدل من رحيله، يتشبث بالحكم اكثر من ذي قبل، ويحاول إبادته بأكمله، رغم معاصرته للنهاية المأسوية التى انتهى عليها زملائه الدكتاتوريين، ههه، فنحن يا حضرة الرئيسة فوضويون في تعلمنا للدرس.

فوضويتنا في ركوب الحافلة، لا شيء يذكر مقابل، فوضويتنا في القتل، والتعدي على بعضنا، نحن من سينهي وجود نفسه، ابشري شعبك بذلك.

أوصي شعبك ان لا يحسب لنا حساب، وأن لا يتوجس خيفة من الربيع العربي، فلم يأتي بعد ربيعنا سوى خريف موحش، خريف فوضوي، جعل البعض يندمون ويترحمون على فوضوية الدكتوتوريات التى انتهت.

نحن يا معالي رئيسة الوزراء، فوضويون حتى النخاع، ولن نتغير في الوقت القريب، فنحن للأسف فوضويون حتى في تغييرنا.

إمضوا كما انتم، ودعوكم منا، ولا تحسبوا لنا حساب.

خاص لـ ( الهتلان بوست )