ما زلت أتذكرها جيداً، تلك الأيام التي كنا نعود فيها إلى المدرسة بعد كل إجازة. ولأن إجازة أبناء القرى من المدرسة، على أيامنا، كانت تعني العمل في المزرعة أو في رعي الأغنام، ومساعدة أهل القرية في أعمال القرية، فلعل المدرسة وقتها كانت أرحم. كنا منذ الصفوف الأولى نتطلع لذلك اليوم الذي نغادر فيه القرية للالتحاق بكلية عسكرية أو بالجامعة أو – اختصاراً للطريق – بدء الوظيفة.
الحق أن المدرسة أعطتنا مفاتيح أولية في الحياة كالقراءة والكتابة، لكن القرية صنعت داخلنا، منذ سن مبكرة، هاجس الاغتراب، وشعور المسؤولية. والقبيلة زرعت في داخلنا عيون الرقيب وسلطته، فأنت لا تمثل نفسك لأنك – في ثقافة القبيلة – تمثل القبيلة كلها.
وبعيداً عن جدال المثقفين حول القبيلة ودورها، فإن الحق يقال إن القبيلة زرعت فينا – جيلي والأجيال التي سبقتنا – قيماً مهمة في العمل والمسؤولية والإنجاز. غير أن لكل مرحلة ظروفها. ولا يمكن القول إن جيلنا كان أكثر جدية من الأجيال اللاحقة. كانت أمامنا فُرصٌ متنوعة ربما ليست متاحة لمن جاء بعدنا. وهنا أسأل ذات السؤال الكبير الذي يسأله اليوم الآلاف من السعوديين: أي سوق عمل ستستوعب الملايين من شبابنا؟ عاد للمدارس السعودية ما يقارب الخمسة ملايين طالب وطالبة. أي مستقبل وظيفي ينتظرهم؟ وفي هذا السؤال تبرز التحديات بكل أشكالها.
لم يعد من المجدي أن نتعاطى فقط مع مشكلة الراهن، فتتحول كل الجهود لتأجيل الحل بدلاً من إيجاده. نحن نُرحِّل مشكلات اليوم إلى الغد. وحينما يأتي الغد نكتشف أن مشكلاته متراكمة فنسعى لترحيلها لما بعده. ثم ماذا؟
لا تقل لي: أعطني الحل، فأنا لا أملكه، وليست من مسؤوليتي أن أعطيك حلاً، لكنْ من واجبي أن أذكرك، وأنت المعني بإيجاد الحلول. إن تأجيل المشكلة لا يساهم في حلها بقدر ما يساهم في تعميقها وتعقيدها.
مدارسنا تفتح أبوابها هذا الصباح. وتُفتح معها أبواب كثيرة لأسئلة صعبة حول المستقبل، تحدياته وفرصه!.
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٢٧٣) صفحة (٢٨) بتاريخ (٠٢-٠٩-٢٠١٢)