كاتبة سعودية مقيمة في دبي
على رغم كل الاحتياطات الواردة في القرار المعلَنِ يومَ الجمعة الماضي بتعيين 30 سيدة في مجلس الشورى، وهي احتياطات شددت على وجوب الفصل التام في مجلس الشورى بين النساء والرجال، من حيث المرور عبر بوابات الدخول والخروج، وكذا في المكاتب، وحتى في استعمال المرافق المستخدَمة، وعلى رغم أن مجلس الشورى هيئة استشارية تكتفي بتقديم توصيات حكومية غير ملزِمة باتّباع سياسات عامة لا تمثل ولاية عامة على المسلمين، وهو ما يرى البعض أنها ولاية لا يجوز للمرأة تَقَلدها، على رغم كل هذا، لم نعدم مَن يظهر علينا معارضاً القرار، حيث خرج فريق في مسيرة بلغت 40 رجلاً، صوَّروا أنفسهم على موقع «يوتيوب» وتكلم باسمهم متحدثهم، وحسناً فعلوا، لكي لا يتركوا للآخرين فرصة لتفسيرات بطولية تتعدى ما خرجوا من أجله.
بعض جمهور «تويتر» دافع عن هذه المعارضة بمنطقين لا ثالث لهما، الأول أنهم يمارسون حق التعبير، وهو أمر تكفله مبادئ الديموقراطية، والآخر أنهم محتسِبون، وهو حقّ يكفله الدين!
الذي يدافع عنهم باسم الديموقراطية وحق التعبير، عليه ألا يتخلى عن مبادئ الديموقراطية الباقية، فالديموقراطية سواء أكانت ذات مضمون ليبرالي أم إسلامي، فإن أول ما تحميه التعددية، التي يحاربها المعارضون وجمهورهم، كما أن الديموقراطية تحمي حق التنمية للأفراد، نساء ورجالاً من دون تمييز، وتحترم حقوق الإنسان، رجلاً كان أو امرأة، كما أن لها آلية محدّدة لمحاسبة المسؤولين على ضعف أنظمة التعليم والصحة والمواصلات… إلخ، لا تدخل فيها فِرَقُ الاحتساب المنفلت، بل هي آلية برلمانية وإعلامية ومؤسسات مجتمع مدني تضمن حق الأقلية قبل الأغلبية.
يعارض الذين خرجوا -للأسف- تعيينَ المرأة في مجلس الشورى، ومَن يصفق لهم لا يؤمنون بكل هذا الكلام، أما من لا يهتم بهذه الشعارات الحديثة ويرى في تصرفهم فعلَ احتساب، فهو حريص على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا شعار ديني لا غبار عليه، لكن عليه أن يتذكر أنه في مطلع الستينات خرج أكثر من هؤلاء لمعارضة تعليم الفتاة، وأنه نُقل عن أحد علماء هذه المعارضة: «أيها المسلمون، كونوا على حذر من مدارس البنات، فهي مدارس ظاهرها الرحمة وباطنها البلاء والفتنة، ونهايتها السفور والفجور، وإذا تساهلتم تجاه فتحها فستندمون». وحين حاول المصلحون مجادلتهم كان رأيهم أنه لا يجوز الجدل في أمر منهي عنه شرعاً!!
وفي ذلك الوقت أيضاً، قالوا إن صوت المرأة عورة، واسمها عورة، ولكن ساند تعليم البنات، حتى في ذلك الوقت، علماء آخرون، أشهرهم الشيخ ابن مانع -رحمه الله-، الذي قال حين سئل عن هذا الأمر: «إن من يحرّم تعليم البنات هو أجهل من جاهل!». أحفاد المعارضين لتعليم البنات قديماً هم اليوم من يدفعون بناتهم إلى التعليم، وإذا لم تتوافر لبناتهم مقاعد في المدرسة أو الجامعة أو لم يجدوا لهن وظائف بعد تخرجهن، ذهبوا ليحتجّوا ويشتكوا. وعلى رغم أن التاريخ اختبر خطأ ذلك الموقف القديم، إلا أن المعارضين لا يجدون فيه دليلاً على أن هذه المعارضة هي «سياق» قديم ضدّ تقدم المرأة، وفق معطيات التعليم والعصر والتنمية.
أن ينقسم الناس بين مؤيد ومعارض عند كل حدث جديد، أمرٌ طبيعي، لكن أن يستخدم المعارض شعار الديموقراطية للتعدي على حقوق المرأة، فهذا اعوجاج في الفهم، أما رفع شعار الدين للتحريض على مشروع تعيين النساء في مجلس الشورى، واتهامه بأنه حثّ على إفساد أخلاق المجتمع، فهذه «تهم خطرة» وليست وجهة نظر!