كاتب بحريني
حسناً أن الوسط الثقافي الإماراتي احتفى، في أبوظبي، أمس الأول، بالذكرى الخامسة لرحيل الشاعر والباحث أحمد راشد ثاني.
وتمنيتُ لو كان بوسعي أن أكون حاضراً هذا الحفل، لولا بعض التزاماتي هنا في البحرين.
أحمد راشد بالنسبة لي، وبالنسبة لكل من عرفه، ليس مجرد صديق عابر نلتقيه على أحد منعطفات الحياة، وإنما هو، على حياته القصيرة، كان إنساناً ملهماً، في الشعر وفي الكتابة المسرحية، وفي البحث الثقافي.
رجل مثل هذا جدير بالاحتفاء الدائم به. مثله لا يجب أن يُنسى أو يغيب.
وأحسب أن أجيالاً من مثقفي الإمارات وبلدان الخليج الأخرى ستظل تتذكره وتعود إلى كتاباته، وهذا ما ألمسه شخصياً من اهتمام الجيل الجديد من أبناء وبنات الإمارات به وبتراثه الذي خلفه لنا وللمستقبل.
في ظاهر الأمر، يبدو أن أحمد راشد ثاني عاش على الهامش، بمعنى أنه اختار لنفسه حياة بسيطة، متقشفة، بعيدة عن الأضواء، ولكن نظرة نافدة على إبداعه متعدد الأوجه ترينا أن أحمد كان في قلب الحياة، هو الذي ذهب أبعد مما ذهب الكثيرون سواه من أبناء جيله، لا في الشعر وحده، وإنما أيضاً في تقصي بذور وجذور التاريخ الثقافي الحديث في الإمارات.
في هذا كشف أحمد عن أمر لا ينم عنه نمط الحياة الذي عاشه، حيث انكب على البحث المتأني، المثابر، المعمق في المادة التي اشتغل عليها، كما يفعل أي باحث جاد، وفي النتيجة قدم لنا دراسات وكتباً هي بمثابة مراجع لا غنى عنها لكل مهتم بتاريخنا الثقافي.
ما ميَّز أحمد راشد عن كثيرين سواه ممن ولجوا حقل الكتابة في التاريخ الأدبي والثقافي في الإمارات، هو قربه الحميم من البيئة التي نتج عنها هذا التاريخ كونه ابنها ولصيقاً بها، ومتشرباً لروحها، ومستوعباً لدلالات مفرداتها وتفاصيلها، فكان حين يكتب أو يتحدث في هذا أو عنه، متمثلاً لما يقول أو يكتب.
ليست هذه الميزة الوحيدة عند أحمد. هناك أمر مهم آخر لديه، هو منهج البحث.
لطالما امتدح أحمد في كتاباته شجاعة النخبة المتعلمة في الإمارات التي كانت أول من افتتح المدارس الأهلية، وأول من جلب المطبعة إلى البلاد، وأول من أصدر الصحف حتى في صورتها الأولية المتواضعة، وأول من جاسر في تحدي السلطات البريطانية في الانفتاح على العمق التنويري العربي في مصر وبلاد الشام، ليس بحثاً عن المعرفة فحسب، وإنما أيضاً إبداء الاستعداد لدعم جهود رواد التنوير العرب، يوم لم يكن النفط قد عُرف أو اكتشف في هذه البلاد.
من هؤلاء استلهم أحمد الشجاعة.. شجاعة العقل والفكر.
المصدر: الخليج