من الصعب تخيل رمال صحراء الخليج العربي في أي موقع أبعد من بعدها عن هذه المدينة التي تعتبر ميناء تكرير معروفا بطعام الكاجون ورياضة الصيد وبكونها مسقط رأس جانيس جوبلين.
غير أنه في قلب هذه المدينة، يقبع موقع استراتيجي للمطامح العالمية للمملكة العربية السعودية، مع كونه موقعا يبدو أن السعوديين يعزفون عن الدعاية له.
تعتبر شركة «موتيفا»، عملاق تكرير النفط، التي أتمت للتو عملية توسعة للمصفاة التابعة لها بلغت تكلفتها 10 مليارات دولار جعلتها أكبر معالج للبنزين والديزل وغيرها من منتجات النفط والوقود الأخرى في الولايات المتحدة، ملكا لشركتي «أرامكو السعودية» و«رويال داتش شل» في إطار شراكة بالمناصفة.
يهدف استثمار شركة «أرامكو السعودية» في توسيع مصفاة التكرير «بورت آرثر» إلى ضمان أن المملكة العربية السعودية سوف تحتفظ بسوق هامة لنفطها الخام في الولايات المتحدة في وقت يعلن فيه الساسة الأميركيون عن عزمهم على تقليل واردات الدولة من النفط.
إن توسيع مصفاة التكرير، التي نالت نصيبها من التكاليف الطائلة والحظ العثر، لا يمثل أي قيمة إذا لم يكن ضخما. إنه يضم مليون قدم من الأنابيب وألف ميل من كابلات الأجهزة؛ وتم دفع 63 ألف كوم من الإسمنت في أراضٍ سبخية لتحقيق الاستقرار لعملية تقطير ضخمة ولأبراج التدفئة.
غير أن الأمر الذي يعتبر شبه خفي في معجزة الهندسة الكيميائية هذه هو الوجود السعودي الحيوي، بعيدا عن مجموعة من الكتب عن شركة «أرامكو السعودية» معروضة على الطاولات في المكاتب التنفيذية وعلمين أحدهما للمملكة العربية السعودية والآخر يحمل شعار شركة «أرامكو السعودية» داخل المتحف الصغير التابع لمصفاة التكرير. ويضم المتحف الموجود داخل مبنى إداري صورا لبعض المسؤولين الذين يزورون شركة «أرامكو السعودية». يعمل اثنان من المتدربين في المنشأة، التي تضم نحو ألفي موظف ومقاول.
«إنهم يرغبون في أن يكونوا على اتصال بالعمل ولكن في الخفاء»، هذا ما يقوله لورانس غولدشتاين، مدير مؤسسة أبحاث سياسة الطاقة التي يمولها جزئيا قطاع النفط، عن السعوديين.
وأضاف: «علاقة (موتيفا) تضمن للسعوديين موطئ قدم هاما وبارعا في الولايات المتحدة، وأرادوا أن يتمتعوا بقدر من قوة التفاوض حينما تثار قضايا جيوسياسية في الشرق الأوسط وفي مناطق أخرى من العالم».
لقد تم تسليط الضوء على أهمية مصفاة التكرير بالنسبة للمملكة العربية السعودية من قبل خالد الفالح، رئيس شركة «أرامكو السعودية» ومديرها التنفيذي، الذي زار المصفاة مرتين في العام الماضي ومن المقرر أن يعاود زيارتها مجددا في غضون بضعة أشهر.
تحدث إلى مسؤولي الطاقة بمؤتمر «آي إتش إس – سي إي آر إيه» للطاقة في هيوستن في مارس (آذار) بعد فترة قصيرة من آخر زيارة قام بها قائلا: «التزامنا تجاه هذه السوق لا يتزعزع».
وقال بريت وولتجين، مدير الإنتاج بالمصفاة، إن الفالح لم يأت للزيارة مصحوبا بضجة كبيرة. وأضاف: «لديه فريقه ولكنه صغير. لا يبدو الأمر وكأننا قد تعرضنا لغزو».
تعتبر شركة «أرامكو السعودية» بالفعل أكبر شركة نفط في العالم والتي تملك حقوق احتكار لأكثر من 260 مليار برميل من احتياطيات النفط المثبتة ورابع أكبر احتياطي غاز طبيعي في العالم. ولكن مع زيادة الطاقة الإنتاجية لمصفاة «موتيفا»، تمضي الشركة السعودية قدما الآن بشكل جيد أيضا في طريقها نحو تحقيق هدفها الممثل في تجاوز «إكسون موبيل» كأكبر مصفاة تكرير خلال الأعوام القليلة المقبلة، من خلال مشاريع مشتركة في دول مثل الصين وكوريا الجنوبية والهند وهولندا.
وبوصفها المحور الرئيسي للسياسة الاقتصادية والخارجية للمملكة العربية السعودية، تستطيع شركة «أرامكو السعودية»، بنطاق نفوذها الواسع في مجال التكرير وأسواق البتروكيماويات، تعزيز التأثير السعودي في الصين وغيرها من المراكز العالمية الناشئة الأخرى، مع تحقيقها أرباحا من بيع المنتجات المكتملة التي تكون أسعارها أعلى من النفط الخام. عندما تم اتخاذ قرار الاستثمار في توسيع مصافي التكرير عام 2007، بدت مصفاة «بورت آرثر» رهانا مضمونا لتكرير المزيد من النفط السعودي. وشهد إنتاج درجات مشابهة من النفط الخام في فنزويلا والمكسيك تراجعا، في الوقت الذي تزايد فيه الطلب الأميركي على البنزين. مع ذلك خلال الثلاثة أعوام الماضية، شهد الإنتاج الأميركي المحلي من النفط ازدهارا بفضل الوسائل التكنولوجية الجديدة في التنقيب وازداد استيراد النفط الرملي الكندي. وتراجع استيراد النفط السعودي من 1.8 مليون برميل يوميا عام 2003 إلى ما يتخطى بالكاد المليون برميل يوميا عام 2010 وتم الاتجاه إلى الاعتماد على النفط الكندي بشكل أساسي خلال الفترة نفسها حيث ازداد من مليوني إلى 2.8 مليون برميل. وعلى الرغم من تغير ظروف السوق، يساعد التوسع في مصفاة تكرير «موتيفا» في الحد من تراجع واردات النفط السعودي، حيث انتعشت خلال العام الماضي ووصلت إلى 1.4 مليون برميل يوميا ويعود هذا بشكل أساسي إلى زيادة مخزون المصفاة.
تحتاج مصفاة «موتيفا»، مثل الكثير من مصافي التكرير الأخرى التي تنتشر في أنحاء خليج المكسيك، للتعامل مع مشكلة تراجع الطلب على البنزين في الولايات المتحدة، ومن أسباب ذلك الركود الاقتصادي وزيادة فعالية السيارات. مع ذلك قال المسؤولون التنفيذيون بمصفاة «موتيفا»، مثل منافسيهم، إنهم كانوا على استعداد لتصدير جزء كبير من إنتاجهم، خاصة من الديزل إلى أميركا اللاتينية حيث تشهد السوق بها نموا. وكانت أول مرة تستثمر فيها شركة «أرامكو السعودية» في مصفاة «بورت آرثر» عام 1989 في إطار صفقة أكبر مع «تكساكو» مما منح الشركة السعودية نصف حصة الانتفاع من مصافي تكرير «تكساكو» ومحطات البنزين في 33 ولاية. وأقر مسؤولون سعوديون في ذلك الوقت بأن هدفهم لم يكن أن تصبح السعودية المصدر الأول للنفط بالنسبة إلى الولايات المتحدة وهو مركز سيتم تبادله مع المكسيك وفنزويلا على مدى العقد المقبل.
بعد شراء «شيفرون» لـ«تكساكو» عام 2002، اشترت شركة «شل» و«سعودي ريفاينينغ»، التابعة لشركة «أرامكو السعودية»، حصتها فيما أصبح يعرف بـ«موتيفا إنتربرايزيس». وتمتلك شركة «موتيفا» اليوم مصفاتي تكرير في لويزيانا وتسوق إنتاجها عبر شبكة من 7700 محطة بنزين ماركة «شل» في مختلف أنحاء الولايات المتحدة.
وتبقى مصفاة التكرير هنا هي واسطة العقد لشركة «موتيفا». وأتاح التوسع للمؤسسة تكرير أشكال متنوعة من النفط الخام وزيادة قدرة الإنتاج بمقدار يزيد على الضعف يصل إلى 600 ألف برميل يوميا من الديزل والبنزين ووقود الطائرات فضلا عن المنتجات الأخرى. وتم تصميم المصفاة بالأساس لتكرير درجات مختلفة من النفط الخام السعودي وأنواع النفط الأخرى التي تنتجها «شل» في خليج المكسيك، لكنها تتمتع بمرونة تمكنها من معالجة النفط الرملي الوارد من كندا ومن حقول النفط الأخرى في أميركا الشمالية واللاتينية. وتفكر إدارة أوباما في إقامة خط الأنابيب «كيستون إكس إل» بحيث يصل بين حقول النفط الكندية و«بورت آرثر» ليكون بذلك مركزا كبيرا للتكرير.
مع ذلك جلب هذا التوسع بعض المشكلات وأحدث بعض الخلافات بين المسؤولين التنفيذيين لـ«شل» و«أرامكو» حول تجاوز التكلفة المحددة والتمويل فضلا عن مواضيع أخرى. وبعد فترة قصيرة من الانتهاء من عملية التوسع خلال الربيع الماضي، أدى تسرب كيميائي واندلاع نيران في وحدة التقطير الجديدة المصممة بحيث تعالج 325 ألف برميل من النفط الخام يوميا إلى عدم عمل الوحدة بشكل بكامل طاقتها حتى شهر يناير (كانون الثاني). وعادت الوحدة لتعمل بكامل كفاءتها في نهاية شهر فبراير (شباط).
ورفضت شركة «أرامكو» التعليق على وضع مصفاة التكرير أو علاقة الشركة بـ«موتيفا إنتربرايزيس». مع ذلك أثنى الرئيس التنفيذي لشركة «موتيفا»، روبرت بيز، خلال مقابلة، على الالتزام السعودي بتوريد النفط إلى الولايات المتحدة. يجيب بيز أمام مجلس يتكون من المسؤولين التنفيذيين لكل من «شل» و«أرامكو» قائلا: «يفيد استمرار تقديم المملكة العربية السعودية النفط الخام إلى الولايات المتحدة، حتى خلال الفترات التي يشير تحديد سعر السوق في الشرق إلى إمكانية تقديم المزيد، العميل الأميركي». وأضاف بيز: «لدينا بعض القضايا التي تمثل تحديا. مثلا كيف يمكننا تمويل هذا المشروع؟ وما هي التوقعات؟ لقد كان حوارا قويا». مع ذلك أوضح قائلا: «أعتقد أن العلاقة أصبحت أقوى». وتبقي كل من «أرامكو» و«شل» على سرية الشروط التجارية لاتفاقهما. وقال بيز: «خلال محاولتي معرفة الحقوق أو حقوق البيع أو الالتزامات أو أي شيء من هذا القبيل، لم أستطع أن أبدأ الحديث». مع ذلك يقول عدد من الخبراء إن «موتيفا» تضمن استيراد كمية كبيرة من النفط السعودي. كذلك يقولون إن «أرامكو» ستقدم تخفيضات على مبيعات النفط الخام السعودي لـ«موتيفا» من خلال تعديل السعر وتقديم تسهيلات مالية بشروط جيدة. وقال ديفيد غولدوين، الذي عمل منسقا لشؤون الطاقة الدولية بوزارة الخارجية خلال فترة أوباما الرئاسية الأولى: «سيتعين على السعوديين الاستمرار في تخفيض أسعار النفط الخام حتى يشتريه المشروع المشترك. ومن المرجح أن يجعل هذا المؤسسة مصدرا جيوسياسيا سعوديا يحتل الصدارة من خلال ضمان جزء من حصة السوق حتى ولو بسعر مخفض».
المصدر: صحيفة الشرق الأوسط