محمد خميس روائي صدر له من أمريكا رواية لفئة المراهقين بعنوان "مملكة سكابا" ، وله باللغة العربية مسرحية أدبية بعنوان "موعد مع الشمس"
يرى سارتر ان وجود الإنسان سابق على ماهيته، وأنه لمعرفة شخصية الإنسان وأفكاره وسلوكه يجب أولاً ان نعرف ماهيته، وماهية الإنسان لا تعرف إلا بعد وجوده، لذلك فالإنسان يوجد أولاً ثم يكَوِن ويشكل نفسه بعد وجوده، بمحض إراداته الحرة، وأنه لا يمكن معرفة شخصية الإنسان إلا من خلال ما ينجزه وما يقوم به من أفعال أثناء وجوده التاريخي والفعلي.
واذا اخذنا هذه النظرية بوجه الإعتبار، واسقطانها على الطغاة فإننا سنتوصل الى نتيجة مفادها ان الطغاة هم من شكلوا ماهيتهم على ما هي عليه، وأقصد بالطاغية في مقامي هذا كل فاسد وظالم وديكتاتور وصل للسلطة بطريقة ما، فإذا كان الإنسان مشروع مستقبلي، يعمل على تجاوز ذاته ووضعيته وواقعه بإستمرا من خلال إختياره لأفعاله بكل إرادة وحرية ومسؤولية، كما يرى سارتر، فإنه بذلك يكون الطاغية هو من اختار بملأ إرادته ان يصبح طاغية.
لم يحلم بشار الأسد يوماً ان يتخرج طبيب عيون، ولم يتمنى القذافي في طفولته ان يقود ثورة، ولا حتى حلم نيرون ببناء روما، وإنما جميعهم حلموا وسعوا ان يكونوا طغاة، ولو فشل حلمهم لسبب ما فإنهم كانوا سيتحولون الى طغاة بطريقة اخرى، ربما تحولوا الى سفاحين يذبحون ضحايهم بدم بارد ثم يرقصون على جثثهم، أو ربما تبوئوا منصباً يخول لهم ممارسة طغيانهم، وأضعف الإيمان انهم كانوا سيطغون في أقرب الأقربين إليهم من أبنائهم وزوجاتهم، وما يكونوا ليحيدوا عن ظلمهم.
بشار الأسد، تربى في بيت طاغية مع مرتبة الشرف، نام واستيقظ على دماء تسفح لمجرد التسلية، وأرواح تسلب بسبب بيت شعر، ومجازر ترتكب للتأديب، وطاغية ينافس فرعون ويكاد يصرخ” أنا ربكم الأعلى” .
بنظرة سريعة الى ما يفعله بشار الأسد اليوم بشعبه، فإننا نكاد نجزم ان أفعاله ما هي الا حلم قد تحقق، فهو يعيد تمثيل تاريخ مثله الأعلى، بطموح ورغبة التفوق عليه، يستميت لإثارة إعجابه ولسان حاله يقول ” بابا عم بتشوفني كم طفل بذبح في اليوم”
بشار الأسد قد اراد منذ نعومة اظفاره المشى على أثار خطوات والده، ولا يخدعن أحدكم بالإعتقاد ان ما يحدث اليوم بسوريا ما كان سيحدث لولم يثور عليه شعبه، أو ما حدث في ليبيا وقبلها تونس ومصر، فسيناريو نهاية الطاغية حتمي ومعاد بتكرار رتيب عبر التاريخ مع استثناءات لا تكاد تذكر، وكما يقول المثل العربي ” لك يوم يا ظالم” سيكون لبشار يوم، ثم ان ما يحدث اليوم هو نتيجة حتمية تقبع في ثنايا قصة اية طاغية.
الطغاة لا يوجد في قاموسهم كلمة ندم، وهي ممنوعة من التدوال وهم بدلا من مواجهة مسؤليتهم الناتجة عن حريتهم في تفسير العالم الذي يعيشون فيه، يهربون من الحرية والمسؤولية، ويكتفون بلوم الآخرين أو بلوم القدر ويرددون ما قاله سارتر “أنني مسؤول عن كلِّ شيء، ولكنني لست مسؤولاً عن مسؤوليتي، لأنني لست أساس وجودي.” ووجودهم لا يكتمل الا بقتل وتشريد شعوبهم، بما فيه من متعة وضمان لبقائهم، فهو حق من حقوقهم لبقائهم في السلطة، فالحق بطبيعة الحال بالنسبة لهم غير مطلق، بل نسبي بنسبية المبادئ التي يرتكزون عليها، تماماً كما يرى “هانز كيلسن “.
على علماء النفس اليوم القيام بدراسة نفسيات أفراد اسر الطغاة، فمن غير المعقول ان يكون بشار الأسد صورة اخرى من والده هو ايضاً، او يكون سيف الإسلام إمتداد لأباه، وعدي نسخة مكررة من صدام، أنادي كل معارضين لنظرية سارتر الوجودية ان يتفقوا معه في جزئية الطغاة وأبناءهم على أقل تقدير، وان يعتمدوا بشار برهاناً لا يقبل الشك.
في الأخير أريد ان انوه الى ان الطاغية وان ابتعد يوماً عن السلطة، فإنه سيظل يمارس طغيانه وظلمه وما يجيده من خراب، ولن يهدأ له بال إلا بعد ان ينال النهاية التى يستحقها، تماماً كصاحبنا الذي تعرفونه جميعكم.
خاص لـــ (الهتلان بوست)