أسئلة حول مفهوم «الرواية العربية في المهجر»

منوعات

ما يميز ملتقى الشارقة للسرد الذي تنظمه دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، هو البحث الدائم عن الموضوعات الجديدة وفتح باب الأسئلة عن كل ما يدخل تحت مفهوم السرد. وفي دورة هذا العام التي تنطلق غداً سيتناول الملتقى موضوعاً مهماً هو «الرواية العربية في المهجر»، فاتحاً سؤال هذه الرواية، في ما يتعلق بوجودها، ومظاهر تجلياتها، ومشروعية التسمية في اللحظة الراهنة من حياة الأمم، على غرار ما فعل الملتقى في دورات سابقة عندما تناول واقع القصة القصيرة، وما يروج حول موتها، وتقنيات الكتابة القصصية الحديثة وعلاقتها بسرد المدونات، وغير ذلك من المواضيع، أو كما تناول الرواية النسوية الخليجية، ومشروعية المفهوم، وتجليات وموضوعات هذه الرواية، فضلاً عن تناول موضوع السرد بشكل عام، والرواية، وتقنيات الرواية عبر الدورات الاثنتي عشرة السابقة، ما يعني أن هناك إرادة راسخة لتعميق سؤال السرد، وترسيخ مفاهيمه لدى الكتاب والمثقفين والأجيال الصاعدة، والمساهمة قدر الإمكان في إضاءة المفاهيم الجديدة، ولفت الانتباه إليها، وجلاء ما غَمُضَ منها.

«الرواية العربية في المهجر» تاريخ طويل من المنجزات الأدبية التي تنطلق من سرديات جبران خليل جبران (العواصف، ودمعة وابتسامة، والأرواح المتمردة، والأجنحة المتكسرة) وجيل جبران من أدباء المهجر، وصولاً إلى أفواج المثقفين العرب الذين درسوا في الغرب واستقروا فيه منذ فترة الاستعمار إلى اليوم، وأنجزوا رواياتهم وآدابهم على أرض غربية، من أمثال الطيب صالح وأمين معلوف وإبراهيم الكوني وواسيني الأعرج وغادة السمان وهدى بركات وإنعام كجه جي، وطوائف كثيرة من الكتاب من العراق ومصر والمغرب العربي وسوريا ولبنان واليمن، بل من كل الوطن العربي، بحيث لا يمكن حصر اللائحة عند حد، ما يمكن أن يوحي بأن أغلبية ما يكتب من روايات عربية اليوم، هي من الأدب المهاجر إذا أخذنا الهجرة بالمفهوم البسيط الذي هو مجرد الانتقال إلى أرض الهجرة.

هذا الواقع يعقد المسألة، لأنه يجعل الدراسة هي دراسة للأدب العربي بكل تجلياته، فكثير من الأسماء التي يمكن ذكرها هنا، هي أسماء كبيرة في راهن الرواية العربية، فهي تمثل الرواية العربية في الصميم، فهل يعقل أن يطلق على آدابهم أنها أدب مهجر على اعتبار أن الأدب المهاجر هو نوع خاص، ولا يمكن أن يمثل الأدب القومي كله. إذا تجاوزنا هذه المعضلة، تبقى معضلة أخرى وهي أن أغلب الذين سنذكرهم على أن رواياتهم من قبيل الأدب المهاجر، هم في الحقيقة مسافرون متنقلون باستمرار بين وطنهم الأصلي وبين مَهاجرهم، وليسوا منقطعين عن واقع بلادهم وأحداثه، وهم يكتبون من صميم هذا الواقع، وعينهم عليه، وأقرب مثال هو واسيني الأعرج الذي يتنقل بشكل موسمي بين فرنسا والجزائر، فهل يمكن وصف أدبه بأنه أدب مهاجر، وهو المشغول كلية بواقع الجزائر؟ فمثلاً لا تكاد تخلو رواية من رواياته الأخيرة من تعرض لموضوع سنوات الدم التي عاشتها الجزائر في تسعينات القرن الماضي وبداية القرن الحالي، وكذلك كل الأسئلة المرتبطة براهن الأدب العربي. السؤال المركزي إذاً، والذي نتوقع أن يتناوله الملتقى بعمق هو: ما مشروعية مفهوم «الرواية العربية في المهجر»؟ لأننا نعتقد أنه، في عالم ما بعد الاستعمار لم يعد هناك «مهجر» بالمفهوم القديم للكلمة، فعندما دخلت الدول العربية إلى عالم المواصلات الحديثة، وأصبح المهاجر يستطيع بالطائرة أن يصل إلى بلده خلال ساعات قليلة، بدل أن كان السفر بين القارات يجري عبر السفن ويستغرق أشهراً، وتحفه المخاطر، ومن يسافر ينقطع عن بلده ومجتمعه بشكل كامل، ثم تطور الأمر مع التليفون وأجهزة الاتصال الحديثة والتلفزيونات الفضائية، وصولاً إلى الإنترنت والهواتف الذكية، وبرامج التواصل الاجتماعي، ما يعني أن المهاجر أصبح جالساً بين أهله، فهل يعود بعد ذلك مهاجراً ؟

ربما من الصحيح القول: إن المهاجر الذي يعيش في الغرب، يعاني عدة مشاكل، وله واقع يختلف كثيراً عن واقع بلده الذي هاجر منه، وهناك كتاب كثر كتبوا عن هذا الواقع، فمن المهم دراسة آدابهم والتعرف إلى طبيعة الأسئلة التي يواجهونها، لكن أيضاً يجب أ لا ننسى أنه في ظل العولمة التي بسطت نفوذها على كل شيء في العالم، أصبحت تلك الأسئلة الخاصة أسئلة كونية، وأصبح حتى، الأدباء الذين لم يغادروا بلدانهم يتناولونها باعتبارها جزءاً من أسئلة حياتهم، وعندما ننظر إلى ما يعانيه العالم اليوم من صراعات معولمة ذات طبيعة دينية وعرقية واقتصادية، نجد أنها لا تختلف كثيراً بين بلدان العالم، وطبيعي أن يتناولها كل كاتب من الزاوية والموقع اللذين يوجد فيهما.

لا تنتهي أسئلة «الرواية العربية في المهجر»، وقد أحسن منظمو الملتقى الاختيار بأن طرحوا هذا الموضوع الشائك، ونتوقع أن تجيب الأوراق المقدمة خلال جلسات الملتقى التي تستمر يومين عن تلك الأسئلة، وتحدد بجلاء المفهوم، وما ينضوي تحته من موضوعات وقيم فنية.

المصدر: الخليج