كاتب كويتي
تفاعل كثير من الأخوة والأخوات عبر الانترنت، وبالأخص عبر شبكة تويتر، مع مقالي السابق والذي كان قد جاء الأسبوع الماضي بعنوان ”الإلحاد… لماذا يتزايد؟“، وتناولت فيه تزايد ظاهرة الإلحاد بين أواسط شبابنا في مجتمعاتنا الخليجية وهي المجتمعات التي لطالما كنا نقول بأنها مجتمعات أقرب إلى التدين بسبب كثرة المحاضرات والندوات واللجان والجمعيات الدينية الدعوية وغيرها من الأنشطة المشابهة. وقد حاول هؤلاء الأخوة والأخوات مشاركتي في البحث عن الإجابة على هذا السؤال المهم، وسأسعى من خلال السطور القادمة إلى صياغة وإخراج ما تحصلت عليه من مشاركاتهم وردودهم.
ربط البعض تزايد مسألة الإلحاد بالانفتاح على الثقافة الغربية المادية وهي التي تميل بطبيعتها للإلحاد وإنكار وجود الذات الإلهية عموما وكذلك قراءة الكتب والمواقع الالكترونية الإلحادية دون وجود أسس عقيدية إسلامية صحيحة مما جعل هؤلاء الشباب لقمة سائغة للوقوع في فخ الإلحاد، وأضاف آخرون أن المناهج التربوية والتدريسية في المدارس، وبالأخص في مراحلها الأولى، لا تضع الأسس الكافية للعقيدة الراسخة الصحيحة. وكذلك رأى البعض أن هذا الأمر اقترن مع تزايد حركة ابتعاث الشباب حديثي التخرج للدراسة في الخارج، والذين وجدوا أنفسهم فجأة في تلك المجتمعات الغربية المغرقة في المادية دون أن يكون لديهم القدر الأدني من الاستعداد الديني لمواجهة ما فيها من شبهات وتحديات إلحادية.
وألمح البعض من زاوية ليست ببعيدة إلى أن الإلحاد قد تزايد مع تزايد الانحلال الأخلاقي أصلا، وذلك بسبب الانفتاح الإعلامي المسعور، وأن كثيرا ممن يدعون الإلحاد هم قد ألحدوا في حقيقة الأمر كذريعة ووسيلة لإراحة ضمائرهم المتأزمة بسبب انحلالهم أخلاقيا، لأن انتفاء وجود الذات الإلهية وسقوط مبدأ الثواب والعقاب الإلهي من عقولهم سيجعل كل أمور الدنيا تصبح في نظرهم عبثا في عبث، ولا داعي أمامها لأية التزامات أخلاقية أو ما شابه.
بل وذهب البعض إلى أبعد من ذلك بالقول بأننا نعيش أصلا في ظل أجواء محمومة مليئة بحملات التشكيك وتشويه الدين عبر مختلف وسائل الإعلام وبالأخص الوسائل الالكترونية، كشبكات التواصل الاجتماعي على سبيل المثال، وهي التي انتشر استخدامها انتشار النار في الهشيم، وأن هناك من يتقصد فعلا نشر هذه الشكوك عبر هذه الشبكات وإثارة التساؤلات لدفع الناس للابتعاد عن الدين لخلخلة وإضعاف المجتمعات الإسلامية!
ولكن في جانب مقابل رأى البعض أن السبب في تزايد الإلحاد هو تزمت رجال الدعوة الإسلامية في الإجابة عن الأسئلة المشروعة للعقل، ونهي الشباب بل وزجرهم عن مجرد التفكير فيها، في حين أن عقلية الشباب اليوم لا يمكن أن تقبل بمثل هذا النهي والزجر، ولا أن تقبل أن يفرض عليها أحدا قواعد مسبقة لمساحات التفكير والأسئلة الممكنة، مما ولَّد الشك والنفور والرفض في نفوسهم، وربما قادهم إلى الإلحاد شيئا فشيئا، من باب أن أسلوب الترهيب من مغبة التفكير والتساؤل في مثل هذه الأمور قد ولَّد وللأسف ردة فعل عكسية في هذا المجال، وبدلا من أن تحميهم قادتهم إلى دوامة الشك والإلحاد.
وأضاف آخرون بأن كثيرا من النماذج والشخصيات الدينية، وبالأخص الإعلامية الشهيرة منها، قد تحولت إلى قوة سلبية منفرة، شوهت الدين بتطرف طرحها وحدتها وشدتها مع المخالفين، أو كما قال أحدهم: قدمت هذه النماذج للناس إسلاما غير مقنع، مما ساهم في ابتعاد الشباب عنها ومن ثم الابتعاد عن الدين جملة وتفصيلا، والبحث عن بديل آخر ظنوا أنه أكثر احتراما للعقل ولإنسانية وقيمة البشر.
وكذلك أشار البعض إلى عدم وجود بيئة إيجابية تتعامل بأريحية واقتدار فكري واجتماعي ونفسي مع الجيل الجديد الذي لديه الكثير من التساؤلات العقلية الشبابية الملحة حول الذات الإلهية وحقيقة الخلق وغيرها، وكذلك عدم توافر متخصصين أكفاء أصلا في هذا الجانب بالقدر الكافي في ظل تزايد أعداد الوعاظ التقليدين الذين تقتصر أنشطتهم ومواعظهم وطروحاتهم على التشديد على الحلام والحرام وعلى الحديث واجترار المألوف والأليف الذي يخاطب العواطف أكثر من مخاطبته العقول. وزاد البعض أن الخطاب الديني قد أضحى اليوم برمته خطابا بائسا ينتصر للنقل على حساب العقل.
الإجابات والتفسيرات التي جاءت إثر طرحي لذلك السؤال كانت كثيرة ومتشابكة كما ترون، وأعتقد شخصيا بأن الإجابة تكمن فيها جميعا، وأن هذه الإجابات والتفسيرات المتعددة على اختلافها، سواء قبلنا بعضها أو رفضنا بعضها الآخر، تشكل خطوة أولى نحو تناول هذا الموضوع الذي أؤمن بأهميته وخطورته، على الرغم من محاولة البعض التقليل من ذلك.
ولابد لنا الآن يا سادتي من الاعتراف بأن ظاهرة الإلحاد في تزايد، وقد خلعت عنها اليوم ثوب الاستحياء، وأظنها ستتكشف أكثر وأكثر في القادم من الأيام، ولهذا فإن إنكار المسألة من جانب أو محاولة التصدي لها بقسوة من الجانب الآخر لن يعالجها أبدا، كما كنت ذكرت آنفا، بل لابد من المواجهة الشجاعة والحكيمة في آن واحد لأن هؤلاء في نهاية المطاف هم أبناؤنا وبناتنا ويستحقون منا الاهتمام والرعاية.
نحن بحاجة حقا إلى انشغال المتخصصين الاجتماعيين في هذا الأمر، وإلى خروج جيل كفء من الدعاة ورجال الدين القادرين والمؤهلين لاستيعاب تلك الأسئلة الشائكة وهذه المسألة المعقدة، وآمل أن أرى ذلك حقا قريبا.
المصدر: البيان