يبهرني أحياناً بعض المهووسين بالألقاب بثقتهم وجرأتهم وهم يقدمون أنفسهم بألقاب مثل دكتور، بروفيسور ومفكر! ولن أستغرب أن أسمع أحدهم يُعرّف بنفسه: أنا أستاذ كرسي فلان الفلاني!
قال صديقي ساخراً إن «أستاذ كرسي» تعني أن سعادة الأستاذ الدكتور المفكر يجلس على كرسي ويحاضر على الناس. وتساءل: هل يحمل كرسيه فوق رأسه أينما ذهب؟ قبل سنوات كتبت عمن أسميتهم (دال نقطة)، من أولئك الذين يغضبون إن قدمتهم للآخرين من غير الإشارة لشهادة الدكتوراة التي يحملونها. ومع تقديري الصادق لكل أكاديمي جاد في مجتمعنا إلا أنني أثق تمام الثقة أن العالم الحقيقي هو من يدرك أن المرء كلما ازداد معرفة كلما ازداد قناعة أنه بحاجة لمزيد من المعرفة.
الألقاب عند بعضنا مكملة لعناصر «الفشخرة» التي تشمل أحياناً صورة ملونة بالبشت و«دال نقطة» قبل الاسم الكريم. وإن قبلنا لقب «دكتور» في دوائر العمل أو الجامعة أو مناسبة رسمية، خاصة مع كثرة حملة هذا اللقب، ماذا نفعل بالألقاب من مثل أستاذ كرسي ومفكر؟ في مؤتمر عربي، جاءني من عرّف نفسه: معاك المفكر فلان؟ ولم أجرؤ أن أسأله: آه، أنت إذن تفكر؟ متى تفكر؟ أو: أنت تفكر إذن أنت مفكر؟ ومن منا لا يفكر؟
ما الفرق بين المراهقين من أثريائنا الذين يشحنون سياراتهم الفارهة للاستعراض بها كل صيف في ميادين أوروبا الشهيرة وأولئك المصابين بهوس الألقاب؟ العالم الحقيقي يزيده علمه تواضعاً. والباحث الجاد لا ينشغل بتحصيل الألقاب والاستعراض بها لأنه عملياً منشغل ببحثه ودراساته. وحينما تصبح الناس مهووسة بالألقاب وتحصيلها فتلك، عندي، دلالة على تمكن الجهل وانتشاره.
أستاذ كرسي؟ ما شاء الله، تبارك الله. فين الكرسي؟
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (١٧٠) صفحة (٣٥) بتاريخ (٢٢-٠٥-٢٠١٢)