كاتب سعودي
احتلت العاصمة السورية دمشق المركز الأخير في لائحة المدن الأكثر ملاءمة للعيش في العالم بحسب قائمة أعدتها وحدة بحثية في مجموعة (ايكونونيست)، ويبدو هذا التصنيف معقولا في ظل الحرب الأهلية الطاحنة التي تشهدها سوريا، ودمشق التي لم يبق من صورتها البهية المليئة بالحياة سوى الذكريات ومشاهد المسلسلات التلفزيونية وأبيات الشعر التي تتحدث عن مدينة كانت فأصبحت.. وسبحان من له الدوام.
ليس دمشق وحدها التي انقلب حالها رأسا على عقب في بضع سنوات، فبعد النداء الذي وجهته الجامعة العربية لإنقاذ ليبيا من التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها داعش والتي افترست البلاد والعباد وبعد تحذير العديد من الجهات الأوروبية حول خطورة الوضع في ليبيا، يمكننا أن نقول بأن طرابلس وبنغازي وبقية مدن ليبيا سوف تنافس دمشق وبقية مدن سوريا على لقب أسوأ مكان للعيش.
وأظن أن العديد من المدن العربية يمكن أن تنافس دمشق على هذا اللقب من بغداد إلى صنعاء إلى مقديشو، فالعيش الرغيد لم يعد أمرا جيدا في العالم العربي.. لا أحد يحترم العيش اليوم.. كل القلوب معلقة بالموت.. تتغنى به.. وتركض نحوه بلهفة مجنونة.. لذلك تتحول المدينة بأكملها إلى مدينة مفخخة.. مفخخة بكل شيء: بالكراهية بالجواسيس بالأسلحة بالإشاعات بالأحقاد بالثأرات بالأطماع وهكذا حتى يصبح انفجاراتها اليومية دلالة على نشاطها وحيويتها وجثث الأبرياء التي تتناثر في طرقاتها هو علامة الحياة فيها.. فجثث القتلى تعني دائما أن القتلة بخير!.
لن تنجو المدن العربية من شرقها إلى غربها من طاحونة أسوأ مدن العيش ما لم ينتصر الإنسان فيها لقيمة الحياة البشرية، بل سوف تزداد الأمور سوءا عما هي عليه اليوم إذا ما استمر تمدد التنظيمات الإرهابية في العالم العربي ونجاحها في السيطرة على مناطق جديدة دون ظهور رغبة حقيقية لدى الشارع العربي في إنقاذ ما تبقى من مبادئ الحب والسلام والتعايش.. القطاع العريض من الناس ينحاز لخطاب الكراهية التي تقود إلى قصائد الموت وقصائد الموت تقود بدورها إلى صناعة أسوأ أماكن العيش في العالم!.
ليس صحيحا أن الأنظمة الديكتاتورية العربية هي وحدها من صنعت الواقع المأساوي لأوطانها اليوم.. فالشارع العربي شريك أساسي في هذا الخراب وهو لا زال يقوم بدوره التخريبي بكل حماسة للأسف الشديد.
المصدر: صحيفة عكاظ