عمل محرراً في قسم الشؤون المحلية بصحيفة "أخبار الخليج" البحرينية، ثم محرراً في قسم الديسك ومحرراً للشؤون الخارجية مسؤولاً عن التغطيات الخارجية. وأصبح رئيساً لقسم الشؤون المحلية، ثم رئيساً لقسم الشؤون العربية والدولية ثم نائباً لمدير التحرير في صحيفة "الايام" البحرينية، ثم إنتقل للعمل مراسلاً لوكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب) كما عمل محرراً في لوموند ديبلوماتيك النشرة العربية.
شهدت الحرب التي شنها المجاهدون الافغان ضد المحتلين الروس في الثمانينات انعطافة هامة عندما أمدت الولايات المتحدة المجاهدين الأفغان بصواريخ قصيرة المدى مضادة للطائرات تطلق على من على الكتف. هكذا وبعد سيطرة جوية تامة للجيش الروسي، تمكنت صواريخ “ستنغر” من تحييد الطيران الحربي الروسي وإكتسب المجاهدون الأفغان ميزة تكتيكية في أرض المعركة. هل يمكن أن نتوقع نفس السيناريو في سوريا الآن بعد أن قررت ادارة اوباما بعد تردد طال أمده تزويد المعارضة السورية بالسلاح؟
تسليح المعارضة السورية ليس وحده ما سيذكرنا بافغانستان، بل الأجواء السائدة حاليا في المنطقة بعد أن تمكن الجيش السوري ومقاتلي حزب الله من استرداد بلدة “القصير” من أيدي مقاتلي المعارضة.
فبعد قليل من معركة “القصير”، تعالت النداءات من رجال الدين السنة للجهاد في سوريا بشكل مدوٍ في ارجاء الدول العربية وتعالت أجراس النفير تدق بصخبٍ كافٍ ليذكرنا بالنداءات نفسها للجهاد في افغانستان مطلع الثمانينات من القرن الماضي.
أبعد من هذا، فان التقارير حول الحشود العسكرية بدأت تتزايد في وحول سوريا. فحسب صحيفة “الاندبندنت” البريطانية (16 يونيو)، فإن ايران إتخذت قرارا قبل انتخاباتها الرئاسية بإرسال أربعة آلاف مقاتل من الحرس الثوري الى سوريا لدعم الجيش الحكومي، مضيفة أن هناك بالمقابل نحو ثلاثة آلاف خبير عسكري امريكي في الاردن حالياً للتمهيد فيما يبدو لإنشاء منطقة حظر طيران جنوب سوريا. كما أشارت تقارير أخرى الى ان بريطانيا تخطط لِإرسال 350 من جنود البحرية الملكية الى الأردن أيضاً. وفي مصر، إنضمت حكومة الإخوان المسلمين الباحثة عن مهرب من استحقاقات الوضع الداخلي، لهذه التحركات عندما أعلنت على لسان الرئيس محمد مرسي قطع العلاقات الدبلوماسية مع سوريا. في غضون ذلك، إنتشرت على صفحات فيسبوك وتويتر إشاعات وتسريبات تتحدث عن عشرات الآلاف من المتطوعين للجهاد في بلدان عربية عدة يستعدون للتوجه الى سوريا.
وقبل هذا كله بأسابيع، كان زعماء شيعة في لبنان والعراق يتحدثون عن تشكيل لواء لحماية المزارات الشيعية في سوريا من الوهابيين. من الواضح ان بلدة القصير لا تضم اية مزارات شيعية، لكن التهييج الطائفي كان مطلوبا بشدة لدى كلا الطرفين لتأجيج أوار هذه الحرب التي يتم تكريسها الآن حرباً طائفية في وقت لم يشهد فيه تاريخ العرب المعاصر أبدا هذا الكم الهائل من خطابات الكراهية المنفلتة من كل عقال وتحريض على القتل بين السنة والشيعة.
هل يمكن أن يكون هذا التوتر المتصاعد لعبة لي أذرع بين فرقاء النزاع للابقاء على قدر من توازن القوى قبل التوجه لمؤتمر “جنيف 2” خلال اسابيع قليلة؟ البعض قد يجب بنعم، لكن الغالبية ترى أن جواباً كهذا هو تفكير بالأمنياتwishful) Thinking).
من الواضح أن معركة “القصير” كانت بالنسبة لقوات النظام السوري وحلفائه محاولة لإستعادة منطقة إستراتيجية تتحكم في مفارق طرق، لكنها بالنسبة للولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيين والعرب وعموم العالم السني، كانت تصعيداً ولربما تجاوزاً لخط أحمر.
إن الأسوأ قادم لا ريب، وبينما تملك الحكومات الضالعة في هذه الحرب هامشاً للمناورة ودبلوماسية القنوات السرية للتواصل والقابلية للتوصل الى تسويات، فإن المخاوف من اندلاع حرب على نطاق أكبر تشمل الاقليم تأتي من مكان آخر ولربما من الأشخاص غير المتوقعين.
التسوية او الصفقة الممكنة كان بالامكان التوصل لها في قمة الثمانية الكبار في دبلن طالما أن إدارة الرئيس أوباما ما تزال مترددة حيال التورط أكثر في صراع طائفي معقد، لكن هذا بقي مجرد إحتمال ومن الواضح أنه لم يتحقق.
قد يكون الايرانيون بالمقابل مستعدين لإرسال إشارة أو لفتة، فبالنسبة لهم قد يكون هذا هو الوقت المناسب لالتقاط الأنفاس بعد ثماني سنوات من مواجهات متصلة مع الغرب وجيرانهم العرب. فالرئيس المنتخب مؤخراً حسن روحاني والموصوف بأنه “معتدل”، أرسل إشارات لرغبة في تخفيف حدة التوتر بين بلاده وخصومها.
إن الأعباء الثقيلة للعقوبات التي ترزح تحتها ايران سببٌ وجيه لتوجه مثل هذا، والتغيير المحتمل في السياسة الايرانية قد يستهدف من بين أهداف عدة، إحتواء ما يمكن تسميته إندفاعاً من المعارضة السورية وحلفاؤها العرب للتعويض عن الهزائم العسكرية الأخيرة. وطالما ان الحرب الطائفية لها قاموسها الخاص، فإن التعويض هنا له معنى واحد هو الإنتقام للأسف. لكنه أنتقام قد لا يحدث على ارض المعركة فحسب، بل إنه مرشح للإنتقال الى فضاء أكبر على النحو الذي نشهده في بلدان عربية عدة لن يكون آخرها ما جرى في مصر منذ أيام قليلة مضت.
هنا، فإننا سنكون أمام لاعب آخر على الأرض هم الجهاديين. وسواء أكانوا شباب القرى والبلدات السنية في شمال لبنان الذين يتعاظم نفوذهم بثبات مطرد يوماً بعد آخر أو أولئك الموجودين في سوريا الآن أو الذين في طريقهم الى هناك، فإن سوريا تتحول وعلى نحو سريع الى أفغانستان أخرى للجهاديين السنة والخندق الأخير للمقاتلين الشيعة طالما أن النظام السوري يقاتل من أجل البقاء فحسب.
في ظل مئات من الكتائب المقاتلة على الأرض، فإن الوضع في سوريا بات يشبه ما كان عليه الوضع في افغانستان أثناء فترة مقاومة الروس، ومقاتلو هذه الكتائب بانقساماتهم وتشظيهم، باتوا أقرب شبهاً بفصائل المجاهدين الافغان في ثمانينات القرن الماضي. رغم هذا الشبه، هناك فارق بسيط هو أن الافغان كانوا مستقلين جداً، في حين أن المقاتلين السنة وكذلك الشيعة في سوريا هم ضحايا لعبة إختطفت إنتفاضة مدنية سلمية لحساب مصالح طائفية وإقليمية وحولتها الى حرب طائفية قذرة.
مترجماً عن صحيفة “غلف نيوز” 20 يونيو 2013