محمد فاضل العبيدلي
محمد فاضل العبيدلي
عمل محرراً في قسم الشؤون المحلية بصحيفة "أخبار الخليج" البحرينية، ثم محرراً في قسم الديسك ومحرراً للشؤون الخارجية مسؤولاً عن التغطيات الخارجية. وأصبح رئيساً لقسم الشؤون المحلية، ثم رئيساً لقسم الشؤون العربية والدولية ثم نائباً لمدير التحرير في صحيفة "الايام" البحرينية، ثم إنتقل للعمل مراسلاً لوكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب) كما عمل محرراً في لوموند ديبلوماتيك النشرة العربية.

زيارة الضفة وغزة تطبيع.. أعيدوا النظر

آراء

هل صحيح أن زيارة الضفة الغربية وقطاع غزة تُعد تطبيعاً مع الإسرائيليين؟ وهل يتعين أن نسعى للتواجد هناك لضرورات الدعم الإنساني فقط؟ حرب على غزة تفرض علينا التوجه بالمعونات الإنسانية والطبية ودخول بعض الأطباء والناشطين في مجال الخدمة الإنسانية وتوزيع المساعدات؟ أو حملات تبرع لدعم انتفاضات أهلنا في فلسطين ضد الاحتلال؟ اذا كان هذا امراً مطلوباً في اوقات الحرب، فلماذا لا يكون مستمرا طيلة العام وفي أوقات الهدوء؟

لطالما شغلني الأمر، ومن وجهة نظري تتطلب هذه الفكرة اعادة نظر وتفكير هادئ في صحته من عدمها، وافضل ما يمكن تصوره هنا هو ان الدعم الانساني اذا كان واجباً في اوقات الحرب، فلماذا نمتنع عنه في غير اوقات الحرب بحجة ان ذلك يعد تطبيعاً؟ بالطبع، ليس الدعم الانساني الطارئ هو المطلوب فحسب، بل يتعين ان نتعامل مع الموضوع من باب الدعم الشامل الذي يحتاجه الفلسطينيون. الدعم الذي نتباكى دوماً على تقصيرنا نحن العرب في أدائه بوصلات الولولة وجلد الذات والردح كلما اندلعت انتفاضة في فلسطين وكلما شنت اسرائيل عدواناً او قامت بالتنكيل بأهلنا في الضفة وغزة.

لماذا يتعين ان يبقى الفلسطينيون معزولين في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي وسياسات البطش والتنكيل، فيما ينأى العرب بأنفسهم عن دعمهم الا بشكل موسمي وطارئ وفي اطار رد الفعل على الحروب الاسرائيلية او عند انطلاق الانتفاضات الفلسطينية؟

ان الحرب الاسرائيلية ضد الفلسطينيين ليست حربا ذات بعد واحد، بل هي حرب شاملة وحرب وجود تستهدف اقتلاع الفلسطينيين من ارضهم، ومن يفهم هذا الحقيقة بشكلها الصحيح والدقيق، سيصدم بالتأكيد بنوع ردود الفعل العربية التي تقصر الدعم المطلوب فقط بوصلات ولولولة وردح على وسائط التواصل الاجتماعي بعبارات متكررة منذ عقود مثل «واحد اثنين.. الجيش العربي وين؟». في الوعي العام والمخيلة الشعبية العربية، ارتبط دعم الفلسطينيين بالتعويل على الحكومات فقط لكن على طريقة «فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ».

ضمن سياساتها لتحويل حياة الفلسطينيين الى جحيم، تقوم اسرائيل منذ عقود بشن حرب اقتصادية على الفلسطينيين تستهدف التضييق عليهم الى اقصى الحدود عبر ارهاقهم بالضرائب وانتزاع الملكيات ومحاربة المنتجات الفلسطينية وتخريب وتجريف الاراضي الزراعية خصوصا حقول الزيتون. وليس لدي من تصور في الذهن لنوع من اشكال الدعم هنا سوى قراءة تقرير اقتصادي يقول: «انتعاش الاقتصاد الفلسطيني بسبب تدفق الزوار العرب».

واذا كان هناك جواب يقول ان الوضع غير طبيعي في الضفة وغزة، فلماذا نسمع عن زوار سياحة دينية يزورون المسجد الاقصى وكنيسة القيامة يأتون من كل مكان في العالم؟ ولمن لا يعرف هذه المعلومة، فإن المسجد الاقصى يستقبل زواراً غير مسلمين نظير مبلغ بسيط، ولقد اوقفت هيئة الأوقاف الفلسطينية زيارات هؤلاء في العام 2000 بعد اندلاع الانتفاضة الثانية لأسباب أمنية، وعندما عادت وسمحت من جديد بالزيارات قام الاسرائيليون بمنع السياح غير المسلمين من زيارة الاقصى بحجة الاسباب الامنية.

لكن المقصد الاسرائيلي واضح، وهو التضييق على هيئة الاوقاف وتجفيف اي مصدر للدخل ناهيك عن تشويه سمعة الفلسطينيين عموما بزنهم ارهابيون.

كيف يمكننا التعامل مع حرص زوار غير مسلمين على زيارة الاقصى وامتناع العرب عن ذلك؟ ان المخاطر التي يمكن ان يتعرض لها زوار فلسطين من العرب هي نفسها التي يمكن ان يتعرضوا لها في اي مكان في العالم، لكن الفارق سيبقى كبيرا عندما نتذكر ان السياحة التي تنعش اقتصادات دول اخرى هي نفسها التي يمكن ان تنعش الاقتصاد الفلسطيني ايضاً.

اذا كانت السياحة مثالاً بسيطاً يمكن ان يوضح الفكرة، فإن هناك امثلة أخرى عملية من شأنها ان تفتح الاذهان اكثر لتبرهن ان الدعم الشامل أمر ممكن وعملي. فقبل سنوات خلت، قامت بعض الدول العربية ومن بينها دول الخليج بتقديم مساعدات عبر بناء مستشفيات ومساكن ومدارس او اعادة اعمار مناطق دمرتها اسرائيل، لكن لنتخيل كيف سيكون عليه الأمر لو كان هذا النوع من الدعم ثابتاً على مدار العام وبجهود حكومية وأهلية وليس في حالات الحروب والعدوان فقط؟

ان فكرة ربط التواصل مع الفلسطينيين بالتطبيع هذه باتت تحتاج الى اعادة نظر لأنها تركت الفلسطينيين وحيدين ومعزولين بمواجهة اسرائيل، واذا كانت الأمثلة السابقة تهدف الى عرض الفكرة في جوانبها العملية الملموسة، فإن دعم الفلسطينيين يرتبط بهدف استراتيجي اكبر هو «بناء الدولة الفلسطينية».

كيف يمكن للفلسطينيين ان يبنوا دولة مستقلة طالما انهم معزولين ويعيشون على المعونات الدولية المشروطة؟ كل سياسات اسرائيل وحروبها مبنية على هدف استراتيجي اساسي هو «منع نمو دولة فلسطينية مستقلة» بكل مقوماتها الاقتصادية بالدرجة الأولى من حيازة وإدارة الثروات الطبيعية (الماء والنفط والغاز) الى ادارة الاقتصاد والدخل القومي.

لا يهم الإسرائيليين من يقوم بإدارة هذه الدولة ومن اي فصيل فلسطيني، فهم لا يحاربون الأشخاص والمنظمات بل يحاربون الفكرة ومسارها التاريخي. فهل يمكن مواجهة هذا الهدف الاستراتيجي الإسرائيلي بعزل الفلسطينيين وعدم التواصل معهم بأي شكل بحجة التطبيع؟

المصدر: صحيفة البيان