محمد فاضل العبيدلي
محمد فاضل العبيدلي
عمل محرراً في قسم الشؤون المحلية بصحيفة "أخبار الخليج" البحرينية، ثم محرراً في قسم الديسك ومحرراً للشؤون الخارجية مسؤولاً عن التغطيات الخارجية. وأصبح رئيساً لقسم الشؤون المحلية، ثم رئيساً لقسم الشؤون العربية والدولية ثم نائباً لمدير التحرير في صحيفة "الايام" البحرينية، ثم إنتقل للعمل مراسلاً لوكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب) كما عمل محرراً في لوموند ديبلوماتيك النشرة العربية.

انتفاضة جديدة.. عقلية جديدة

آراء

إذاً.. هذه هي الانتفاضة التي ظل مسؤولو الأجهزة الأمنية الإسرائيلية يحذرون بنيامين نتانياهو من اندلاعها منذ سنوات. هل في الأمر ذكاء خارق في أن يتنبأ جنرالات «الشاباك» و«الشين بيت» باندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة؟

ليس في الأمر ذكاء من أي نوع، وحتى متوسطو الذكاء بإمكانهم التنبؤ بهذا في أي وقت طالما أن الإسرائيليين مصممون منذ اكثر من عقدين من مفاوضات عبثية على خيار وحيد: لا دولة فلسطينية.. لا حل على الإطلاق.

لكن الذكاء مطلوب الآن من الفلسطينيين بالدرجة الأولى والعرب تالياً. وفي سجل الفلسطينيين الطويل انتفاضتان يتعين قبل كل شيء استيعاب دروسهما جيدا، إضافة الى اجتياح شامل للضفة الغربية عام 2002 وانقسام دفع بهم الى لحظة ضعف تاريخية غير مسبوقة منذ عام 2007 وثلاث حروب ضد قطاع غزة منذ 2008 وصولاً إلى 2014. فإذا لم تستوعب الفصائل الفلسطينية ولا المثقفون الفلسطينيون كل الدروس التي تطرحها تلك الوقائع التاريخية، فمن المؤسف القول هنا ان مصير هبة الجيل الجديد من الفلسطينيين سيلحق بها ما لحق بسابقاتها من انتفاضات وهبات. أبرز ما يتعين استيعابه هنا من دروس:

أولاً: الوحدة الفلسطينية هي مفتاح القوة، لكن هذا ليس شعاراً خطابياً بل ضرورة عملية تقتضي أولاً إعادة تصحيح بعض المفاهيم وخطوات جريئة من كل الأطراف (مقابل لمفردة تنازلات أو تضحيات صغيرة). وأول ما يتعين على كل الفرقاء التضحية به هو ترك ذهنية المكاسب وإثبات «من هو القائد الحقيقي» لصالح فعالية الأداء في مواجهة إسرائيل.

ثانياً: انتهت الانتفاضة الأولى التي اندلعت في ديسمبر 1987 واستمرت سنوات مع دخول القوات العراقية الى الكويت في أغسطس 1990. أما الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى أيضا) التي انطلقت عام 2000 فقد انتهت عندما تمت عسكرتها.

وإذا كانت العوامل الخارجية قد تبدو خارجة عن اليد، فإن على الفلسطينيين الانتباه جيدا لذلك النوع من التفكير المدفوع باليأس وليس التخطيط الجيد للمعركة والذي يدفع الى رفع الصوت نحو استخدام السلاح.

إسرائيل تسعى وتريد وتخطط وتحبذ وتستفز الفلسطينيين دوماً لدفعهم لاستخدام السلاح. على القادة الفلسطينيين وخصوصا قادة «حماس» أن يكونوا حذرين هنا، فبضعة صواريخ على إسرائيل انتقاما لما يجري في الضفة وغزة ستضر بالانتفاضة اكثر مما تنفعها لأنها تقطع عليها طريق الاستمرارية وبناء المزيد من الضغوط على اسرائيل وتقدم لإسرائيل الهدية التي تنتظرها. دروس الماضي واضحة لا تحتاج شرحاً.

ثالثاً: التخلي عن ذلك النوع من التنافس لإثبات من هو على صواب ومن هو على خطأ، وخصوصا ذلك الردح الطويل والمهلك حول خيار المقاومة وخيار المفاوضات. فالتاريخ وحده يقول إن الخيارين يكملان بعضهما. وأول ما يتعين التخلص منه هو أسلوب «الهجاء» المهلك بين الفرقاء الفلسطينيين.

دون هذا لن تتحقق فعالية مطلوبة لا للنضال فحسب بل للمواجهة الشاملة مع إسرائيل. لقد استحوذت ذهنية الانقسام على الفلسطينيين وترسخت لديهم، وهذه أول عناصر الشلل وانتفاء القدرة، وليس عليهم سوى إعادة التفكير فيما أفضت إليه ثماني سنوات من انقسام مرير غير مسبوق في التاريخ الفلسطيني.

رابعاً: تحصين أنفسهم من الدعاية والحرب النفسية الإسرائيلية. يعرف الإسرائيليون جيدا الذهنية الفلسطينية والعربية خصوصاً الطبيعة الانفعالية للعرب لهذا تركز الحرب النفسية الإسرائيلية على هذا العنصر بالذات عبر دعايات منسقة وباللغة العربية عبر مواقع لا حصر لها، سواء على الإنترنت او عبر زرع قصص في الصحافة الغربية او تصريحات لمسؤولين إسرائيليين. إذا كان هناك ما يتعين دراسته واستيعابه فهو الدعاية التي ترافق الانتفاضات الفلسطينية او الحروب التي يشنها الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين.

خامساً: أثبتت حركة المقاطعة الفلسطينية (بي دي إس) في سنوات معدودة انها فعالة بشكل لا يوصف عندما دفعت دولاً في أوروبا ومنظمات نقابية وأكاديمية في الولايات المتحدة (بشكل أفزع مؤيدي إسرائيل من الكونغرس والإدارة ودفعهم لسن قوانين مكارثية لمواجهة دعوات مقاطعة إسرائيل) وأميركا الجنوبية الى فرض مقاطعة منتجات المستوطنات ورفض رسو السفن الإسرائيلية ومقاطعة الجامعات الإسرائيلية وتسببت في خسائر وصلت الى مليارات لإسرائيل.

العبرة هنا واضحة، النضال المدني ذو المسار الطويل اكثر فعالية ضد الإسرائيليين عوضا عن المعارك القصيرة الأمد، وعليه فإن تشديد المقاطعة وتعميمها عربياً سيكون أمراً أكثر فعالية من القصائد ووصلات الهجاء والردح على فيسبوك وتويتر.

سادساً: يبقى ان على باقي العرب إعادة النظر في أشكال دعمهم للفلسطينيين بدلاً من الانفعالات والخطب نحو وسائل عملية وفعالة. وبعيدا عن العمومية، فإن كل ما سبق مطلوب من العرب بقدر ما هو مطلوب من الفلسطينيين، أولها عدم الوقوع في أفخاخ الدعاية والحرب النفسية الإسرائيلية التي ستزدهر على شبكة الانترنت وتحت مسميات عربية وإسلامية وبأسماء عربية.

المصدر: صحيفة البيان