بحسب موقع «إنترناشيونال لاونج»، تقدر نسبة المغتربين حول العالم بـ230 مليون نسمة، وأعتقد أن هذا الرقم قد يكون أكبر بكثير، حيث لا يتم إحصاء دقيق لكل المغتربين، ويعتبر هذا المجتمع خامس أكبر دولة افتراضية في العالم، ولاشك في أن هذا المجتمع يواجه العديد من التحديات، مثل عدم الإحساس بالأمان، أو عدم إجادة اللغة والمهارات اللازمة للانخراط في المجتمع، وكذلك تحديات اجتماعية كثيرة منها الحنين الدائم للوطن، ولكن المشكلة الأكبر والأعمق هي مشكلة الانتماء لدى أبناء المغتربين، خصوصاً في الدول التي تختلف في الدين والثقافة والقيم، مثل الدول الغربية.
• «ليس من المنطقي الانعزال التام عن ثقافة البلد المضيف، كما لا يمكن التنازل عن الثقافة الأم، فكيف يمكن التغلب على هذا التحدي؟».
هؤلاء الأبناء ينشؤون في بلد غير بلدهم، وفي ثقافة تختلف عن ثقافتهم الأم، ويحاول الأهل إكسابهم ثقافة بلدهم الأم. ولكن في المدرسة وفي البلد المضيف لديهم الثقافة المحلية. وهنا تظهر معضلة الانتماء، إلى أي ثقافة ينتمي الأبناء وأي أخلاق وقيم يتشربون، خصوصاً عندما تكون هناك اختلافات جذرية بين ثقافة البلد الأم والبلد المضيف؟ هل هناك حل لهذه المعضلة؟ فليس من المنطقي الانعزال التام عن ثقافة البلد المضيف، كما لا يمكن التنازل عن الثقافة الأم، فكيف يمكن التغلب على هذا التحدي، حتى لا يحدث صراع داخلي يؤدي إلى الضياع وفقدان الهوية والتشتت؟
وكما قال الشاعر المبدع محمود درويش «أنا من هناك، أنا من هنا، ولست هناك ولست هنا»، الحقيقة أنه ليس فقط الأبناء من يواجهون تلك المعضلة بل الآباء أيضاً، لكن الآباء قد تربوا في بلدهم الأم وتشربوا ثقافته وقيمه، فلا يعانون سوى الحنين للوطن، أما الأبناء الذين ولدوا وتربوا في الغربة، فهم من يواجهون المعضلة الأكبر، وهم من يحتاجون إلى دعم وتوجيه ورعاية من الجميع، حتى يندمجوا بالقدر المعقول والملائم في الثقافة المحلية، وفي الوقت نفسه لا ينسون ثقافتهم وقيمهم.
أعتقد أن الوزارات والجهات ذات الصلة في البلد الأم يمكن أن تلعب دوراً محورياً في مساعدة الآباء والأسر في التغلب على هذا التحدي من خلال برامج علمية مدروسة، تساعد أبناء المغتربين على أن يعرفوا بلدهم وثقافته وقيمه، ليس فقط نظرياً، بل من خلال برامج متكاملة، حيث يمكن إعداد مناهج تعليمية تشرح تاريخ البلد الأم، وثقافته، وجغرافيته، ودوره التاريخي. ويمكن الاستفادة بالتكنولوجيا وتنفيذ ذلك من خلال تطبيقات على الجوال، ومواقع الإنترنت، ومن خلال الألعاب، وتوظيف مفاهيم التعلم الحديثة، ودعم ذلك ببرامج زيارات للأماكن والمعالم التاريخية، ولقاءات مع رموز البلد، تسعدني مقترحاتكم حول هذا الموضوع.
المصدر: الإمارات اليوم