كاتب وصحفي سعودي
من أسوأ الأمثلة التي تتردد في بعض دولنا العربية الموجهة إلى رؤسائنا في العمل أو زملائنا أو أصدقائنا: “أنت فصِّل واحنا نلبس”. هذا العبارة البليدة تجردنا من استقلاليتنا وآرائنا وأفكارنا. تقمع كل بذرة فكرة. تحولنا إلى نكرة. تعزز تسلط بعض المسؤولين الذين يتشبثون بقراراتهم بعيدا عن مشاركتها مع زملائهم ومحيطهم.
من يحلل العبارة بشكل بسيط سيكتشف مدى فداحتها وخطورتها. فلا يوجد ثوب يلائم مقاساتنا أجمعين. كل شخص لديه مقاسه الخاص؛ حجمه، ووزنه، وطوله، وذائقته. فمن ينطقها حتى على سبيل المجاملة يمارس سلوكا إجراميا تجاه مستقبلنا.
فمن يقرأ أو يحس بأي سخط جمعي في أي مؤسسة ومجتمع محدد سيدرك تماما أن أحد الأسباب هو العبارة سيئة الذكر وأخواتها التي تعزز صوتا واحدا. صوتا عاليا جدا. في حين تغيب الأصوات الأخرى الجديرة بالضوء.
إننا نشترك بشكل عام في أي شعور عارم بالملل والاستياء. فلو حرصنا على طرح آرائنا وعملنا على إيصالها ستتعدد النكهات والرؤى والمحاولات. نعتقد دائما أن المسؤول هو المسؤول عن كل الخيارات المخيبة التي يتخذها. لكن في الحقيقة نحن نلعب دورا محوريا في هذه الخيبات. لقد جعلناه يمارس هذا السلوك الأناني الأحادي الأبوي بكلماتنا وردة فعلنا تجاه ما يقول ويطرح. عبّر، وانتقد، وحلّل لأنك الخاسر الأكبر بصمتك أو تفويضك التلقائي. أنت من يربط الحبل على عنقك ويختنق إثر هذه البيئة التي صنعتها بعبارة بليدة قلتها أو أخرى لم تتفوه بها. تخيلوا طبيعتنا بلون واحد. سيقتلنا الضجر والإحساس بالرتابة والنمطية. هذا هو حالنا مع الحياة التي اخترناها. آثرنا أن تكون باهتة ومملة عندما قررنا أن نفرط في أبسط حقوقنا ونلونها حسبما نرى ونتطلع. قد لا نكون رسامين. لكن قطعا لدى معظمنا القدرة على تلوينها.
تأكد أنه عندما ترتدي ثوبا بمقاس غيرك. ستثير شفقتك على نفسك قبل أن تثير شفقة الناس عليك. وبدلا من أن تصبح مصدرا للقوة ستصبح مصدرا للعطف وأيقونة للضعف.
أمامنا مسؤولية كبيرة كي نعزز في هذا الجيل المتدفق حماسا وشغفا ورغبة في التغيير، أهمية التعبير والتفكير بصوت مسموع.
تذكر لا يمكن أن تصنع بستانا بالأحلام. عليك أن تزرعه وتسقيه وترعاه ليزهر. وبالطبع يتطلب هذا كثيرا من التضحيات والجروح.
المصدر: الاقتصادية
http://www.aleqt.com/2015/01/22/article_924834.html