ناشطة سياسية واجتماعية ومدونة يمنية مقيمة حالياً في بيروت، نشر لها مقالات في عدة صحف منها جريدة السفير ويمن تايمز والجمهورية والمصدر أونلاين، حاصلة على بكالوريوس في علوم الكمبيوتر من اليمن وماجستير في إدارة الأعمال من بيروت، وتعمل حاليا كمحللة سياسية.
«أنا يمنية جئتكم بسلام» … كانت هذه الجملة التي خطرت في بالي عندما رأيت نظرة الاستغراب في عينيها، «ماذا؟ أنتِ يمنية؟» قالتها متفاجئة.. رددت: نعم يمنية! قالت: «ولكنك تشبهيننا».. سألت: وهل رأيت يمنياً من قبل؟ أجابت: «لأ»! فسكت…
وظلت هذه النظرة المندهشة في عينيها إلى أن خرجت من المصعد. شعرت وقتها بأني جئت من كوكب آخر، وكما نرى في الأفلام عندما يأتي كائن فضائي من كوكب آخر ويقول الجملة المشهورة «أنا من المريخ جئتكم بسلام».. شعرت أني أريد أن أقول: «أنا يمنية جئتكم بسلام».
بداية الحكاية:
شاءت الأقدار أن أقضي نصف حياتي في اليمن والنصف الآخر متنقلة من بلد لآخر.. هذه التجربة أفادتني كثيراً في أن أتعرف إلى ثقافات مختلفة واستوعب فكرة أني لست الوحيدة في هذا الوجود، وان البشر مختلفون وليس هناك شيء واحد يجمع الكل عدا الإنسانية… لذلك فقد تعودت على تقبل أفكار الآخرين ماعدا الأفكار التي تنعدم منها الإنسانية أو تتبنى فكرة الرأي الأوحد.
طبعا لم أصل لهذه المرحلة بسهولة، ولكن هذا ما وصلت إليه بعد أن عانيت الكثير من إلقاء الحكم عليّ بمجرد أن أقول إني يمنية.. الغريب أن فكرة الناس عن اليمن تختلف من شخص لآخر.. وللأسف حتى في الدول العربية هناك الكثير ممن لا يعرف عنا شيئاً… وسأحكي لكم عن أشخاص مختلفين لهم آراء مختلفة عن اليمن.
في إحدى المرات كنت أنا وفتاة من دولة عربية لا تعرف اليمن كالمعتاد.. نتفرج على صور في كتاب يحكى فيه عن أفريقيا وفيه صور لعشش يعيشون فيها.. فسألتني هل تبدو بيوتكم هكذا في اليمن؟ طبعاً، صُعقت، لأن اليمن من المفترض أنها مشهورة ببنائها الجميل وأبدعت في هذا المجال، والبناء اليمني يدرّس في كل جامعات الهندسة المعمارية بالعالم! كيف لا تعرف هذا؟ أجبتها بلا طبعاً.. وكان من المفترض أن أشعرها بمدى جهلها، ولكني لم أفعل ذلك للأسف.
صادف أيضا أن قابلت شخصاً كان يظن اليمن غنية مثل دول الخليج.. وهذا تماماً عكس فكرة أننا نعيش في عشش، ولكنه أيضا رأي خاطئ.. ومع هذا الفهم الخاطئ عن اليمن، إلا أن هناك ثلاثة أشياء مشتركة يعرفها الغالبية عن اليمن: القات، القاعدة، ومؤخراً الحوثيون.. شيء محزن أن كل ما يعرفه الناس عن بلدي هو المخدرات أو الحروب…
قررت ألا أجعل هذا الموضوع ينغص عليّ حياتي، وأن استغله في أن أتسلّى برؤية رد فعل كل شخص يعرف أني يمنية.. فكنت كل ما أتحدث مع شخص غريب بمجرد أن أعرّف عن اسمي ألحقها مباشرة بجملة: «أنا يمنية».. وانتظر لأرى هذه النظرة.. أصبح الموضوع مسلياً لي أكثر منه منغصاً لحياتي، ولكني في قرارة نفسي كنت اشعر بالحزن لأن بلدي لا يعرف عنها العالم شيئاً.. ومن المستحيل أن تشرح لكل من تقابله أن بلدك فيها كل شيء… فيها الصحراء وفيها الجبال الخضراء والشواطئ الجميلة.. كيف لي أن أشرح لكل هؤلاء أن أهل بلدي ليسوا إرهابيين، وأنهم شعب كريم ومضياف، وإذا كان التعصب وصلهم فهم مثل غيرهم من البلدان التي تأثرت مؤخراً بالفكر المتشدد، ولكن هذا لا يعني أنهم كلهم متشددون ومتعصبون.
قامت الثورة واستمرت سلميتها ثمانية أشهر.. بدأ الناس يسمعون أكثر عن اليمن، ولكن فكرة الناس عنّا لم تتغير كثيراً.. إلى أن أتى هذا اليوم… «توكل كرمان تفوز بجائزة نوبل للسلام».. قرأت هذا الخبر السعيد.. توكل المرأة التي ناضلت ثمانية أشهر في الساحة ولا زالت تناضل، وحتى قبل الثورة كانت توكل تخرج في تظاهرات تدعو لتحديد سن الزواج للفتيات. وقالت عمن كانوا ضد هذا القانون بأنهم مرضى لأنهم يريدون الزواج بمن هي اصغر من سن الـ 12 سنة.. توكل لديها أطفال.. أم مناضلة في الساحة، معتصمة ثمانية أشهر.. شيء لا تتحمله إلا امرأة قوية مثل توكل.. قادت تظاهرات وخطبت أمام رجال القبائل لتحييهم بانضمامهم للثورة.. نعم امرأة تخطب أمام رجال القبائل.. هذه هي توكل..
وجاءت الجائزة التي تستحقها.. جائزة نوبل للسلام! جائزة لم أتخيل أن أعيش اللحظة التي أرى فيها يمنياً يفوز بهذه الجائزة.. نعم من اليمن.. هذا البلد الذي لا يعرفه أحد.. امرأة يمنية.. من يصدق هذا.. يومها شعرت بأن العالم كله يعرفني.. كل من يراني يهنئني بهذا الخبر.. كلهم فجأة يتحدثون عن اليمن وجمالها.. هؤلاء من كانوا لا يعرفون شيئاً عن اليمن في يوم من الأيام.. الآن عرفوها.. أصدقاء لي في دول أخرى يخبروني كيف أن الجميع أصبح يحدثهم عن اليمن وتوكل.. الآن لم يعد بلدي منسياً.. الآن يمكنني أن أقول أنا من البلد التي فازت فيه أول امرأة عربية بجائزة نوبل للسلام..
أنا من اليمن… سأقولها بكل فخر أنا يمنية، ولن أرى هذه النظرة المتعجبة.. كلهم يعرفون اليمن.. إنه البلد الذي استمرت فيه ثورة سلمية لأشهر في بلد شعبه مسلح.. أنا من اليمن بلد السلام.. أنا من اليمن جئتكم بسلام.