كاتب سعودي
قراءتي البديهية لإقالة الوزير شويش الضويحي من وزارة الإسكان، بعد أقل من ثلاث ساعات على انتهاء جلسة مجلس التنمية والاقتصاد الأخيرة يوم الأربعاء الماضي؛ تشير إلى وجود الحزم الصارم في اتخاذ القرارات.
واضح مما تسرب وما اطلعت عليه من أخبار، أن طرح الوزير في تلك الجلسة لم يكن مقنعاً، وقد طلب من رئيس الاجتماع أن يمنحه مهلة لتقديم عرض بديل، لكن القرار صدر بعد انتهاء الاجتماع، وتم تكليف مسؤول جديد ليتولى مهمة الإسكان. إدارة مصالح الناس في دولة كالمملكة، وهي بحجم قارة، لم تعد تحتمل الروتين والبطء اللذين تغلغلا في عقول عدد لا بأس به من كبار المسؤولين أخيراً، ولا ذنب لهم عندما لا يجد المسؤول أي نوع من المحاسبة؛ فحتماً سيتراخى ويؤجل، إضافة إلى ذلك سيزداد هذا المسؤول -إلا من رحم ربي- استكباراً وتعالياً مع مرور الأيام، ويبدأ بالخضوع اللاحسي إلى شعوره بالتميز عن بقية خلق الله. هو لا يلام أيضاً فهذا تطور طبيعي في السلوك، يحدث للكثيرين مع مرور الأعوام في البقاء في المناصب المهمة. تفاءلنا كثيراً مع صدور الأنظمة التي حددت مدة عمل مجلس الوزراء بأربعة أعوام فقط، وكان ذلك في عهد الملك فهد -رحمه الله-. هذه هي المادة التي أتحدث عنها، وهي المادة رقم ٩ من نظام مجلس الوزراء الصادر بالأمر الملكي رقم: أ / 13 في تاريخ 3-3 1414هـ، تقول المادة ما يأتي: (مدة مجلس الوزراء أربع سنوات يتم خلالها إعادة تشكيله بأمر ملكي، وفي حالة انتهاء المدة قبل إعادة تشكيله، يستمر في عمله حتى إعادة التشكيل). لسبب أو لآخر لم نشهد الديناميكية المطلوبة في إعادة تشكيل المجلس، وفي الغالب كان التمديد هو الحل.
وعندما أتحدث عن الديناميكية فإنني أعني تحديداً تقويم إنتاج كل وزير، إما أن يبقى أو يستبدل، بل وحتى مع نجاح الوزير في وزارة معينة فإن بقاءه بها لفترة طويلة يصيبه بالتبلد. ما الذي يمنع مثلاً نقل الوزير الناجح من وزارته إلى وزارة أخرى متعثرة؟
شخصياً، لا أرى أي مشكلة في ذلك، بل إن هذا النقل ربما هو ما يتمناه ذلك الوزير الناجح؛ لأنه سيشكل له تحدياً جديداً، ونحن نعلم أن الناجحين يعشقون التحديات. الاستثناء الوحيد الذي أذكره وقد يوجد غيره، هو الوزير غازي القصيبي –رحمه الله- الذي تم نقله إلى وزارات عدة.
اليوم، وفي هذا العهد الجديد، وهو وجود الشباب في مراكز صناعة القرار -وقد سمَّيت ذلك في مقالة سابقة بـ»الحكومة الشابة»- أشعر بالكثير من التفاؤل. أتوقع أن تبدأ حكومتنا اليوم بنهج مبدأ الثواب والعقاب والتقويم العلمي الدقيق للأداء، ليس فقط في دائرة مجلس الوزراء، وهذا مهم بالطبع، بل داخل كل وزارة.
الوزير ليس إلا نتاج عمل وزارته، وكلما كان أداء المسؤولين في هذه الوزارة مرتفعاً كلما انعكس ذلك على شخص الوزير نفسه، ذلك أن اليد الواحدة لا تصفق. في هذا السياق لا بد من الإشارة إلى ضرورة تحديث نظام الخدمة المدنية، الذي لا يمنح ولا حتى الوزير صلاحية فصل الموظف المتقاعس.
أمامنا ومع النمو السريع لعدد السكان الكثير من التحديات الضخمة، ومواجهتها تتطلب مضاعفة الجهد والعمل ليلاً نهاراً قبل أن تتغلب علينا. الإسكان ليس إلا إحداها، ذلك أن القطاعات الصحية هي الأخرى مهمة وسيكون لها تأثيراً مباشراً في بنود النفقات الحكومية. لا أعلم بدقة عن المشاريع الجديدة الخاصة بعدد المستشفيات والأسرَّة، لكنها كبيرة جداً، وسيكون تشغيلها مرهقاً ومكلفاً مالياً. إذا فالتحديات التي تواجه وزير الصحة تبرز في إحداث نقلة نوعية في هيكل القطاع الصحي، إذ نطبق نظريات التأمين وإشراك القطاع الخاص بهذه الخدمات.
التعليم هو الآخر لا يقل أهمية من النواحي المادية، وعلينا من اليوم البدء في خصخصة هذا القطاع على الأقل في مستوى الجامعات. لا يوجد دولة في الدنيا تدير التعليم مجاناً وبهذا الحجم. الغريب أن الدولة ومع مجانية التعليم ما زالت تصرف مكافآت للطلبة. أجد ذلك مثيراً؛ لأنني أقرأ هذه الأيام سيرة الرائد الراحل ناصر المنقور -دار جداول للنشر- وحكاياته عن بدايات التعليم في المملكة والتحديات التي كانت تواجهه.
تخطيط المدن، والخدمات العامة، والسياحة الداخلية، والنقل، وغيرها تتطلب هي الأخرى الكثير والكثير. نقل المملكة إلى دولة ذات مصادر متعددة للدخل يتطلب مبادرات غير مسبوقة ولم يعتد عليها الناس. بعضها قد يشكل تحدياً وربما صدمة كمراجعة الدعم الحكومي لبعض السلع، وبعضها ربما لا يتعدى كونه إجراءات سهلة.
المملكة أيضاً بحاجة إلى الانفتاح المنضبط؛ بما يؤدي إلى خلق البيئة الجذابة المتصالحة، التي تدفع إلى إنفاق المواطن دخله في بلاده، بدلاً من الهروب المستمر إلى الخارج وكب الأموال هناك بلا تحفظ. وكلما ارتفع معدل إنفاق المواطن داخل بلاده كلما نمت معدلات الإنتاج، وارتقت الخدمات، وارتقى التنافس نحو الجودة، وزادت الوظائف وتقلصت معدلات البطالة، وارتفع مستوى الوعي والحرص على المكتسبات. هنا نتحدث عن مرتكزات أمنية هي غاية في الأهمية.
لتحقيق الكثير من تطلعات القيادة وآمال المواطنين، سواءً ما تمت الإشارة إليه في هذه العجالة أم ما لم نتناوله، لا بد من المتابعة والحزم، سواءً في اختيار الكفاءات أم في متابعة أعمالهم. (وقل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون).
وبقدر حماستنا لإقصاء الفاشلين الذي أرجو ألا يتوقف، نتمنى أيضاً إبراز الناجحين وتكريمهم، حتى لا يقال بأننا نأخذ شق العقاب ونتجاهل الثواب.
المصدر: الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Fahad-Al-Dgheter/