رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم
شاهدت، أول من أمس، وبدعوة كريمة من الأخ العزيز محمد المر أوبرا «صيادو اللؤلؤ»، وهي من تأليف الموسيقار الفرنسي الشهير جورج بيزيه، وقد أخرجت للمرة الأولى بمسرح ليريك في باريس عام 1863، وهي بالفعل بداية موفقة جداً للعروض «الأوبرالية» على مسرح «دبي أوبرا»، وعُرضت هذه المرة ـ وللمرة الأولى ـ منذ تاريخ إخراجها في باريس بأزياء مختلفة، تم تصميمها واستلهامها من بيئة الإمارات القديمة، حيث اشتهرت المنطقة بتجارة وصيد اللؤلؤ.
بالتأكيد لست «أرستقراطياً»، كما وصفني صديق عزيز عند مشاهدته لقطات من هذا العرض في حساباتي على وسائل التواصل، كما أنني لست من النخبة الثقافية الشغوفة بمشاهدة هذا الفن الراقي جداً، والذي يعتبره كثير من الناس «نخبوياً»، لكنَّ الأمر الآن ليس شخصياً، وهذه الفكرة السائدة عن الأوبرا ليست صحيحة بالشكل المتناول، وبما أن الإمارات أصبحت وجهة ثقافية راقية تنافس العواصم الأوروبية، وأصبح هذا الفن الرفيع يبعد مسافة خطوات بسيطة، فما المانع من الحضور، والتعرف عن قرب إلى عروض لم تكن متاحة يوماً في هذه البقعة من العالم؟!
وللتعرف أكثر إلى هذه المسرحية الفرنسية، فإن أحداثها تدور على جزيرة «سيلان»، وتتناول الحب والصداقة والخيانة والتضحية، وفق أحداث سلسة، تتصاعد بشكل سهل وبطيء وغير صاخب، ويصاحبها غناء وموسيقى «أوبرالية» في غاية الروعة، تجعل العقل والذاكرة يتيهان داخل أروقة المسرح الفخم، ويتفكران في أحداث المسرحية قليلاً، ويتيهان في الحياة خارج هذا المسرح كثيراً، بل كثيراً جداً!
أوبرا دبي علامة ثقافية فارقة في هذه المدينة الرائعة، وهي بالفعل مشروع مميز في شكله وتصميمه وموقعه ومحتواه، والأهم من ذلك أنه بداية اكتمال البنية التحتية الثقافية لمدينة دبي، هذه البنية سوف تتكامل تباعاً، مع افتتاح مشروع مكتبة محمد بن راشد الضخمة، ومشروع متحف الآثار، الذي سيضم الآثار المكتشفة في ساروق الحديد، وغيرها من الآثار القديمة في جميرا، والأماكن الأخرى، إضافة إلى مشروع منطقة الشندغة، كمتحف مفتوح يمثل تاريخ وتطور البيئة المحلية في هذه المنطقة الحيوية، بذلك تكتمل أركان الرؤية الاستراتيجية، لتحويل دبي إلى الوجهة السياحية الأولى في المنطقة، وإحدى أهم وجهات السياحة العالمية.
دار الأوبرا والمشروعات الثقافية التالية، هي اللبنة التي ستكتمل بها الصورة العامة الشاملة لمدينة دبي، وذلك بعد أن اكتملت تقريباً البنية التحتية للمشروعات والطرق، وأصبحت المدينة تضم الكثير من «المولات» التجارية والمشروعات الترفيهية، وتعج بالوجهات التي تحتاجها العائلات والزوار، وأصبحت مقصداً للاستجمام والتسوق والراحة والحصول على أرقى الخدمات المختلفة، فجاءت الأوبرا لتلبي حاجة المثقفين والمهتمين في الإمارات، ودول مجلس التعاون، ومن ثم دول الشرق الأوسط والعالم، وهذا التصور لا مبالغة فيه، فمن شاهد عدد وجنسيات الحضور في العروض الحالية، سيعرف تماماً أن متذوقي هذا الفن ليسوا أقلية أبداً، خصوصاً إن فتحنا خارطة المنطقة، وعرفنا مدى افتقارها لهذا المكان الراقي الجميل.
إنها مشروعات مرتبطة ببعضها، وثيقة الصلة، حتى إن كانت مختلفة في المجال والشكل، هي وحدة واحدة تخاطب أذواقاً مختلفة، وترضي جميع الزوار والمقيمين والسياح، وتلبي متطلباتهم واحتياجاتهم المتنوعة، لكنها تحقق هدفاً واحداً هو تكريس مكانة دبي السياحية، لتكون علامة فارقة في الخارطة العالمية، ومدينة تسير بخطى ثابتة لمرحلة ما بعد النفط!
المصدر: الإمارات اليوم