كاتب و ناشر من دولة الإمارات
هل المنظومة التعليمية والأخلاقية السائدة حالياً قادرة على مساعدة أطفالنا على فهم ومواكبة المتغيرات التي تقود العالم؟ وهل أطفالنا مستعدون لتحديات المنظومة القيمية والتعليمية التي يحملها المستقبل؟
تبادرت إلى ذهني هذه الأسئلة وأنا أرى الفجوة بين عالم أبنائنا وعالمنا، رغم أننا نعيش العالم ذاته. نرى أبناءنا يختبئون عنا في زوايا مجهولة، مظلمة لنا، ومنيرة لهم. في أحيان كثيرة، نجدهم يحلقون في تطبيقات نجهلها، أو ألعاب تتحكم فيها الرياضيات، أو محتوى يحوي منظومات أخلاقية غريبة عنا.
في هذين العالمين اللذين يعيش فيهما كلانا، قد نلتقي في بعض المحطات، لكننا نفترق في الكثير منها. وللإيضاح أكثر، يمكن القول إن الجيل الجديد من أبنائنا يعيش المستقبل، ويتعامل مع تفاصيله يومياً في أفكاره ومعتقداته وأحلامه وطموحاته، بينما نعيش نحن الوقائع الحاضر، ونتعكز على الماضي الذي نعتقد أو نتوهم بأنه قادر على تقديم جميع الحلول لمشكلاتنا.
لذا نعمل على إجبار الجيل الشاب، الذي لم يُخلق لعصرنا، من خلال إصرارنا على الإيمان بأنه يشبهنا تماماً، وسيبقى كذلك على الدوام! ونتصور أنه سيعيش تفاصيل تجاربنا نفسها، لذلك لا نهتم للغد الذي يطرق أبوابنا كل يوم، وفي الموعد نفسه.
هذا المستقبل الذي لم نلتفت إليه، قد غزا بيوتنا، وهيمن على جزئيات حياتنا. وأكثر من ذلك، أصبح جزءاً لا يتجزأ من حياتنا وحياة أبنائنا.
وهذا ما يحتّم علينا أن نتعامل مع هذه الحقيقة بأساليب مبتكرة من أجل ردم الفجوة بين جيلينا، رغم اتساعها، وامتدادها إلى المنظومة التعليمية والأخلاقية التي من المفترض أن تملك مفاتيح الحلول، لكنها تبدو عاجزة عن ذلك أمام سطوة المستقبل!
في المقابل، نجد أن أبناءنا أجادوا التعامل مع هذا المستقبل أكثر منا، لأنهم طوّروا أدوات لغتهم الخاصة وتجاربهم الفريدة لمحاكاته بكل ثقة.
مما لا شك فيه أن التحديات التي يواجهها الآباء في تربية أبنائهم وحثهم على التمسك بالموروث والتقاليد كثيرة، إلا أنهم يشعرون بأن أبناءهم يحلّقون بعيداً عنهم في فضاءاتهم الخاصة.
وعادة ما نكرر الأسطوانة ذاتها بأن مرد ذلك يعود إلى تأثيرات التكنولوجيا وتقنياتها، وغزو الإعلام الحديث والثقافات المختلفة التي نستقبلها، لكن هذا الأمر لا يعدو أن يكون مجرد شماعة!
بات من الواضح أننا في مواجهة المستقبل يجب أن نكسب علوم العصر ومعارفه التي تتطور على أيدي بشر آخرين، لهم رؤيتهم ومنظومتهم الأخلاقية والعلمية المتقدمة علينا، ونحن مجبرون على الخضوع لهم كمستهلكين لا منتجين. لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن نفصّل التكنولوجيا الحديثة على مقاساتنا، وبما أننا فتحنا نوافذنا وأبوابنا فسيدخلون ومعهم كل ثقافاتهم!
إن من يمتلك أدوات المواجهة هم أبناؤنا، فهم أكثر قدرة منا على مواجهة المستقبل. بينما يسعى البعض منا إلى الحد من انطلاقتهم، بمفاهيم وآراء ورثناها وتربينا عليها، واعتدنا عليها.
مازلنا نبحث عن أطفالنا وهم يختبئون عنا في المستقبل، يهربون من عاداتنا وطقوسنا ولهجتنا، وعصا المعلم، والأعراف اليومية، والتقاليد المنزلية.
يقول صاحبي: هل ننتظر من أبنائنا أن يحافظوا على ثقافتهم وهم يعيشون ثقافات العالم المختلفة؟
قلت له: لا تعليق.
المصدر: الإمارات اليوم