خاص لـ هات بوست:
لعل الشعار الأكثر جماهيرية في عالمنا الإسلامي عامة، وفي سورية اليوم خاصة هو “قائدنا إلى الأبد سيدنا محمد”، فما عليك إذا أردت تجييش الناس إلا أن تطلقه، ليلتم حولك الآلاف حتى لو لم تحدد الهدف من نداءك، أو ماذا تريد.
والعكس صحيح، فما أهون أن تستثير الحشود، وتطلقهم من عقالهم بكلمة واحدة، تستهتر بالإسلام أو بالرسول (ص) يطلقها أرعن ما، أنى وجد.
وإذا كانت المؤامرات تجري في الخفاء، فهذه التركيبة لم تعد سرية، وإنما جاهزة للإستخدام دائماً، من قبل من يراهن على أن هذه الجموع تلدغ من جحرها آلاف المرات ولا تتعلم، لذلك لا يحتاج الأعداء للتآمر علينا، فيكفي أن ترسل تسجيل صوتي لأحمق يظن أنه ينال من رسولنا حتى نشعل فتنة بأيدينا، ويقتل بعضنا بعضاً، فيما يبقى صوت العقلاء خافتاً أمام أزيز الرصاص، وقس على ذلك.
في الواقع، جميل لو أننا نقتدي برسولنا الكريم محمد (ص) ونهتدي بما جاء به، فهو نفذ أوامر الله تعالى وتوجيهاته، وأقام دولته على العدل والمساواة، فترك الناس على دينهم، لم يجبرهم على الإسلام ولا على الإيمان، حطم الأصنام في الكعبة نعم، لكنه لم يدخل لبيوت الناس ويرى ماذا يعبدون، بموجب قاعدة أساسية {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} (الكافرون 6)، وترك مدينته كمثال مصغر لمجتمع مثالي، فيه مساواة بين الناس، وضعت فيه أسس لتحرير الرق وتحرير المرأة بما يتماشى مع تطور خط التاريخ الإنساني.
أما الغزو فكان منطق ذاك العصر، وآيات التنزيل الحكيم التي تخص القتال في معظمها تتعلق بغزوات معينة آنذاك ولا يمكننا تعميمها، ومع ذلك يمكننا الاهتداء بقوله تعالى { وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} (الأنفال 61)
فإذا بحثنا عما يعمم، ولا يخص حادثة بعينها وجدنا {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (البقرة 190) علماً أن سبيل الله هو السير ضد الطغيان، بجميع أشكاله، بحيث نرفع الظلم تحت أي مسمى، ولا نقتل الناس بموجب طوائفهم التي انتسبوا إليها بالولادة، ولا نحملهم وزر هوية مشتركة مع طاغية سابق، فالله لا يحب المعتدين.
وإن أردنا توخي الدقة، وجدنا تعليمات تنير لنا الطريق:
-{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (الحجرات 6)، فإن كنتم تدعون الإيمان، لماذا تهاجون طائفة كاملة مقابل نبأ من فاسق؟
-{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ –} (الحجرات 11)، فإن كنتم تدعون الإيمان، لماذا تكيلون السباب والشتائم والتهديد والوعيد لكل من يخالفكم؟
-{ ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا –} (النساء 94) فإذا كنتم تدعون الإيمان، لستم مؤهلين لتقييم إيمان الناس ومحاسبتهم.
الآيات كثيرة، لا يتسع المقام لسردها، إنما ما يجري اليوم بعيداً أشد البعد عن الإسلام وتعاليمه وتعاليم نبيه ذي الخلق العظيم، وهو حين عفا عن أعدائه لم يترك الحبل لأتباعه ليقتصوا منهم، بل سن قوانين ملزمة، لا خلاف فيها.
والجدير بالذكر هنا، أن بني أمية، حين حكموا بلاد الشام، رغم أنهم ابتعدوا عن الإسلام كجوهر، إلا أنهم لم يجبروا أهل البلاد على اعتناق ملتهم، بل تركوهم على ما هم عليه، وكان من سياستهم أنهم هم من تأقلم وانسجم مع ما كان سائداً في البلاد، بدليل بقاء معظم السكان مسيحيين لقرون عديدة، وتسلمهم مناصب رفيعة في الدولة الناشئة.
ما أريد قوله، أين ما وليت وجهك فثمة خطأ فيما يحصل، إن كنتم تريدون الرسول قائداً فيؤسفني أن ما يجري لا يمت للرسول ودينه بصلة، وإن كنتم “بني أمية” فما هكذا تبنى الدول، وإن كان هناك من مؤامرات فهي في عقولنا التي تحتاج إلى نفض سم الطائفية والتفرقة والحقد الأعمى، ربما نستطيع أن نتخطى صراعات لن ينجو منها أحد.