عبد الله الشمري كاتب و باحث سعودي متخصص في الشؤون التركية
في كتابه «العالم الاسلامي في مهب التحولات الحضارية» ذهب د.أحمد داوود اوغلوا (وزير الخارجية التركي الحالي) إلى أن الحضارة الغربية تعاني من أزمة حضارية وأخلاقية لا يمكن حلها من داخلها، وأن إعادة احياء الهوية الاسلامية هي صيغة أخرى من صيغ التحولات الحضارية ويمكن أن تُقدم بديلا حضاريا متكاملا للبشرية، وأن تركيا مؤهلة للقيام بهذا الدور داعيا لنموذج تركي يحوي على فضيلة الحضارة الاسلامية وعقلانية وتطور الغرب الاقتصادي.
وخلال عقد ظهرت بوادر بروز نموذج تركي واعد يجمع ما بين النجاح الاقتصادي والحكم وفق التقاليد الديمقراطية، إلا انه مع مرور الأيام ترسخت تصرفات تُشير إلى أن النموذج بدأ يحيد عن الفكرة الأخلاقية التى بُني عليها.
خلال الأسبوع الماضي عاشت تركيا وقع صدمة نفسية على خلفية اعتقالات هزت الأوساط السياسية والاقتصادية والدبلوماسية الأجنبية، بعد معرفة أن من بين الموقوفين المتهمين بفساد مالي، أبناء ثلاثة وزراء ورجال أعمال مقربين من الحكومة وبيروقراطيين في مصرف الدولة الرسمي، ورئيس بلدية تابعة للحزب الحاكم، حيث وجهت النيابة العامة اتهاما رسميا للمُعتقلين بتقديم وتلقي الرشاوى، وغسيل أموال، وتنفيذ مشاريع إنشائية على المناطق الممنوعة من البناء، ويصل الرقم المتوقع لهذه القضايا إلى مئة مليار يورو، وهو ما يمثل أكبر قضية فساد في تاريخ تركيا الحديث. ويعتبر رجل الأعمال الايراني (من أصول آذرية) رضا ضرّاب، وهو أشهر رجل أعمال أجنبي يقيم في تركيا، المتهم الأول في العديد من القضايا.
كانت نهاية (يوم الزلزال السياسي) قيام مديرية مكافحة الجريمة المالية بإعداد مذكرة قانونية لرئاسة البرلمان؛ لأخذ الإذن بإجراء تحقيقات مع وزراء الداخلية، والاقتصاد والبيئة، والتخطيط العمراني بعد اعتقال أبنائهم على خلفية تورطهم في قضايا فساد ورشوة، وتوجيه اتهام ضد وزير شؤون الاتحاد الأوروبي وضد مسئولين من لجنة الحفاظ على التراث الثقافي بوزارة الثقافة ببيع بعض الآثار التي اكُتشفت أثناء حفر نفق «مرمراي»، وتورط عدد من الموظفين ببيع متعلقات ثمينة وتحف نادرة ونفيسة في قصر «توب كابي.
صحف الحكومة تبنت نظرية المؤامرة وأعلنت الحرب على جماعة فتح الله غولين قائلة: إن (الدول غير الراضية) عن تقدم تركيا وزيادة دورها في المنطقة أعلنوا الحرب على الحزب الحاكم، وانهم يحاولون افشاله في الانتخابات القادمة.
أما الكاتب في جريدة «زمان تودى» إحسان داغي (الموالي لجماعة غولين ) فقد قال: إن مشكلة حزب العدالة والتنمية انه ابتعد عن الفلسفة الاخلاقية التي تأسس عليها.. هي مشكلة حزب خرج طالبا للديمقراطية لكنه تحول إلى إدارة سلطوية، متسائلا ماذا حصل لهذا الحزب، وأين هو الأصل من هذه الصورة؟..السلطة المطلقة أفسدته، وانعدام الرقابة عليه، وشعوره بأنه لا منافس له ولا بديل، واستخدامه قوة الدولة بشكل عشوائي، وشعوره بأن الشعب أصبح عبيدا له، وأن الإعلام الذي صنعه سيتدخل عند الحاجة ليخدر الناس، حالة من الاستقطاب والتخوين والتصفيات تشهدها تركيا بشكل مقلق، ووصل الأمر ببعض كُتاب الحزب إلى استعداء أصدقاء تركيا من المتخصصين، ووصف أي قلم عربي أو أجنبي لا يكتب ما يعجبهم بأنه مرتزق أو أنه ينفذ اجندة خارجية.
يمكن القول إن يوم الثلاثاء 17 ديسمبر 2013م كان بمثابة احداث 11 سبتمبر تركي، والأيام القادمة ستكشف المزيد وربما ستعلن بداية أفول النموذج التركي، والذي كان يُؤمل أن يكون نموذجا يحتذى به في دول المنطقة.
المصدر: اليوم السعودية