كاتبة إماراتية
»لماذا تأخرت في العمل؟ ومن قابلت؟ ولماذا وكيف وأين؟«، طوق من الأسئلة القاتلة التي يخنّق بها بعض الأزواج والأبناء، لأنها تقتل المودة والرحمة وتذكي نار الشك والغيرة بين الأسرة.
وفي العمل كثيراً ما نسمع عن خلافات حدثت وعلاقات تحطمت بسبب سوء الظن، فبعض الموظفين والمديرين لا يتهاونون للحظة في التسرع في إصدار الأحكام على الزملاء التي ليس لها أي وجود في أرض الواقع.
»ظروف بعض البشر مدفونة في أعماقهم، فإن لم تَعرفها فأكرمهم بحسن الظن«.
سوء الظن كالقنبلة التي تنفجر فتدمر كل ما هو جميل، فهي لا تعترف بصغير أو كبير، رجل أو امرأة، لأنها كاللغم يخدعك باختفائه فتصدم بعدها بإهلاكه، فلقد عانت منه الأسر وتفرق بسببه الأصحاب والإخوة وزملاء العمل، فأغلبها تأتي من وهم أو تصور سيئ في الخيال ليتحول إلى فكرة عن الناس، فالنيران الضخمة لا تأتي إلا من مستصغر الشرر.
»الناس منشغلون بأنفسهم وهو منشغل يبحث عن أخطائهم«،
يروي ستيفن كوفي قصته وهو في قطار الأنفاق بمدينة نيويورك، حين كان جميع الركاب في هدوء تام، أحدهم يقرأ الصحف والبعض الآخر في حالة استرخاء، فلقد كان الجو ساكناً مفعماً بالهدوء. وفجأة، يصعد رجل بصحبة أطفاله الذين سرعان ما ملأ ضجيجهم القطار، ولكن الرجل جلس بجانب ستيفن مغلقاً عينيه متغافلاً عن الموقف برمته دون أن يحرك ساكناً. بدأ ستيفن بالغضب، كيف له أن يكون بهذا القدر من التبلد، التفت إلى الرجل قائلاً: »إن أطفالك يسببون الإزعاج للكثير وإني لأعجب إن لم تستطع أن تسيطر على الموقف«. فتح الرجل عينيه وقال:
»نعم إنك على حق، يتعين على أن أفعل شيئاً ولكن عذراً فلقد قدمنا لتونا من المستشفى، حيث لفظت والدتهم أنفاسها الأخيرة منذ ساعة واحدة فقط، إنني عاجز عن التفكير والتصرف وأظنهم في ألم عميق يعيقهم عن التفكير والتصرف العقلاني أيضاً«. فجأة امتلأ قلب ستيفن بآلام هذه العائلة وتدفقت مشاعر التعاطف والندم دون أي قيود وقال: »أنا آسف هل يمكنني المساعدة«. إحساس متأخر جاء ليغير كل شيء في لحظة، قد تنتهي بعض القصص، ولكن المشاعر المرتبطة بمثل هذه المواقف لن تنتهي في نفوسنا.
كم كان البعض في أحيان ظالمين حين تسرعوا في الحكم على غيرهم بناء على سوء فهم قد يكون أشد حدّة من السيف، وأكثر إيلاماً من السوط، فينقش أثره في جدار القلب ليتسبب بألم نفسي. يجدر بنا ألا نتسرع في إصدار الأحكام على تصرف غير متوقع من إنسان قريب أو بعيد في حياتنا. فلنعتذر عند الخطأ ولنغفر حين يقع علينا الظلم. يقول الإمام الشافعي، رحمه الله: »لما عفوتُ ولم أحقِدْ على أحد، أرحتُ نفسي مِن همِّ العداواتِ«، ويقول: »سامح صديقك إن زلت به قدم فليس يسلم إنسان من الزلل«. فلنرتق لنسعد أنفسنا ومن حولنا.
المصدر: البيان