كنت من الذين اقترحوا على دول الخليج أن تتعامل بإيجابية مع من اختاره الشعب المصري رئيساً لمصر، كمنهج سياسي استراتيجي وقطعاً للطريق أمام إيران لكيلا تستغل الظروف لتطويق مصر الجديدة كما فعلت مع العراق.
لا نريد أن نكرر خسارتنا في العراق بخسارة أكبر في مصر. قبول الواقع والتعاطي معه لا يعني تبني «الأيديولوجية» التي تقف وراءه. والتعاطي السياسي، بما تفرضه المرونة السياسية، ليس ركوباً في قارب أيديولوجية الإخوان في مصر وإنما من منطلقات المصالح والعلاقات الدبلوماسية المعتادة وقبل ذلك احتراماً لما قرره المصريون لأنفسهم.
أما «الحميّة» الحزبية التي يتعاطى بها اليوم «إخوان الخليج» مع مصر فإنها تفتقد لفهم أبعاد اللعبة السياسية الجديدة في المنطقة. ربما فهمنا أن ينتشي إخوان الخليج بفوز مرجعيتهم الفكرية في مصر أو خارجها لكن ذلك لا ينبغي أن يكون على حساب مصالح بلدانهم ومستقبلها.
وإن لم يتم الانتباه لخطورة ذوبان «الفرع» في «الأصل» فإن ذلك قد يكون مؤشراً خطيراً لتبعية فكرية وسياسية يريد البعض في الخليج أن يزج بنا نحوها. الخوف هنا أن تكون تبعية «العقيدة السياسية»، في علاقات إخوان الخليج بمرجعيتهم السياسية في مصر، غالبة في نظرتهم لأوطانهم. ولهذا تبدو العلاقة ملتبسة وشائكة، ويشوبها الحذر الشديد، بين المثقف الخليجي -من خارج دوائر الإخوان- وبين التيارات والأسماء المحسوبة على فكر الإخوان.
لم يعد سراً أن إخوان الخليج يمارسون انتهازية سياسية مستغلين المتغيرات الكبرى في المنطقة، وبذريعة الدفاع عن الحريات والحقوق. وهي لعبة ربما كانت مقبولة لو كانت جزءاً من «اللعبة السياسية» المكشوفة بدلاً من أن تكون «انتهازية سياسية» بغطاء ديني. فلم يؤخر العالم العربي، تنموياً وفكرياً، مثل استغلال الدين في لعب السياسة ودهاليزها.
مأساة أن يخرج العرب من نفق ويدخلون في نفق آخر!