كاتب متخصص في الإدارة
يروى أن دباً كان يعدو في إثر اثنين كانا يفران منه في الغابة. فوقف أحدهما ليحكم رباط حذائه. التفت إليه الآخر فقال وهو يلهث: يا أحمق أتحسب أنك تسبق الدب؟!، فأجاب الآخر: ويحك، لا أريد أن أسبق الدب، بل يهمني أن أسبقك أنت، حتى تكون أنت فريسة للدب الهائج فيشبع!، صعق صاحبه من هول الصدمة.
هذه القصة الرمزية، تذكرني بمجريات الحياة وبيئات العمل. فتجد زميلاً مهنياً يمضي جل وقته في تفانٍ لتطوير زملائه أو مرؤوسيه، فيما يضمر له هؤلاء الشر، رغم نقائه وصدقه في معاونتهم. ويفعل هؤلاء اللؤماء ذلك، على أمل أن يظفر أحدهم بمنصبه أو امتيازاته، بعد استقالته أو نقله أو نفيه إلى منطقة نائية. وهناك من يتحين الفرصة ليبالغ في إظهار مشاكل مديره أمام الإدارة العليا، فما إن يعود المدير من إجازته، إلا وقد اكفهرت وجوه مسؤوليه بسبب من كان يمشى بالنميمة، أو المبالغات، أو القصص التي ليس لها أساس من الصحة.
واللئيم لا يؤتمن على سر، فاللؤم خبث في النفس، يدفع صاحبه إلى التعريض بمن ائتمنه على معلومة. فيظهر السخرية أو الشماتة في غيابه، ويهمز ويلمز، اعتقاداً منه بأنه بذلك يلقى في نفوس من يعيرونهم آذاناً مصغية. غير أنه ينسى «الشَّمَاتَةُ لُؤْمٌ» كما في الأمثال، وأنها الوجه الآخر للبغض. وأن البغض سلاح الضعيف، وهو انتقام الجبناء.
أرى أنه ليس في مقدور الإنسان تغيير سلوكيات الآخرين. ربما نردعهم بموقف حازم مؤقت، لكن سرعان ما «ستعود حليمة لعادتها القديمة». ولذا، كان الحل في حصر تلك الفئة، ذهنياً، لأن اللؤماء مثل الفطريات، تنتشر في بيئات رطبة «مغلقة». قد تفيد في احتوائهم سياسة الباب «المفتوح» في الاستماع إلى كل الآراء، والأهم، تقبلها بصدر رحب، حتى نحتويهم ونفوت الفرصة على من يريد اصطيادنا في الماء العكر. غير أن اللؤم متأصل لدى البعض الآخر، ولا تنفع معهم سياسة الاحتواء، فلسان حالهم ما قاله المتنبي: إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا.
أحياناً يكون اللؤم نابعاً من المؤسسة نفسها تجاه موظفيها، فتجحدهم، وتفضل عليهم أسوأهم أداءً، أو تقرب إليها من أتوا من خارج المنظمة بالمظلات «البراشوتية». وكذلك الحال مع البلدان، حينما تفضل الغريب على محاسن ابن البلد. وهذا ما يذكرني مقولة عالم الاجتماعي د.علي الوردي: «إن مجتمعنا اللئيم، يخلق أسباب الفقر والعاهة، من جهة، ثم يحتقر المصابين بهما من الجهة الأخرى، وبذا، ينمي فيهم عقداً نفسية لا خلاص منها».
أياً كان مصدر اللؤم، فردياً أو مؤسساتياً، فإنه يحدث جُرحاً غائراً في نفوس متلقيه، لأن «جراحات السِّنان لها التئامٌ… ولا يلتام ما جرحَ اللسانُ».
المصدر: البيان