مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
في زيارتي الأولى لمدينة فينيسيا داخلني شيء من النفور من المدينة لسبب أدركته مؤخراً يتعلق بعامل التوقيت، فليس من الحكمة أن تزور مدينة كفينيسيا في الشتاء، وهي المدينة المحاطة على الدوام بالمياه، حتى لتبدو للزائر وكأنها عروس بحر انبثقت من لجج محيط متلاطم، لقد حللت في أحد فنادقها الأنيقة المطلة على القنال الكبير في أيام شتائية عاصفة، فكان ذلك خطأً أدركته بعد فوات الأوان!
لم أتمكن من فتح النافذة لا ليلاً ولا نهاراً، فقد اختلطت مياه الأمطار المنسكبة بغزارة من أفواه قرب مندلقة من سماء مكفهرة، مع مياه البحر الذي علا منسوبه ما أدى لاختلال منظومة الصرف الصحي في المدينة، فتحول الأمر إلى كارثة حقيقية في بعض المناطق!
في تلك الأيام كنت قد ذهبت إلى فينيسيا لأنني كنت أزور مدينة ميونخ الألمانية لدواعي العلاج، فبسبب الآلام المبرحة التي أصابت قدمي وجدتني أطرق عيادة طبيب مختص بآلام القدم هناك، وكان طبيباً بارعاً من أصول مصرية، أفادتني علاجاته وبدأت أتحرك بشكل جيد، ما حدا بي بعد عدة أيام لزيارة بعض مدن إيطاليا القريبة، فزرت فلورنسا وفيرونا وفينيسيا، وفي أحد فنادق الأخيرة نسيت كتاباً محبباً كنت أقرؤه بنهم.
في العام 2015، عدت إلى فينيسيا الإيطالية أو ما كانت تعرف في العصور الوسطى باسم البندقية، فقضيت فيها خمس ليالٍ بالتمام والكمال، كان الجو أفضل بكثير وكانت المدينة تتألق تحت شمس خريفية منعشة، فتجولت فيها بهدوء أكثر، ولم أنسَ أن أذهب إلى ذلك الفندق الذي احتفظت بمفتاح غرفتي فيه، وقد حفر على ميداليته رقم الغرفة، هناك سألت موظفة الاستقبال إن كانوا قد عثروا على كتاب عربي في هذه الغرفة، وأريتها الرقم؟ أخذت المفتاح من يدي وغابت عني لمدة عشرين دقيقة، وعندما عادت كانت تحمل مغلفاً يحوي الرواية التي نسيتها هناك منذ أربعة أعوام، كانت رواية سمرقند لأمين معلوف!
المصدر: البيان