تطرح العديد من الأدبيات التراثية خضوع المرأة في المجتمع الإماراتي القديم لأعراف ساهمت في إبقائها في الظل وحالت من دون مشاركتها المجتمعية، غير أن العديد من الوقائع الحياتية الموثقة قبل قيام الدولة، والتي لا يزال من عاشوا بعض تفاصيل المجتمع القديم يتذكرونها، تثبت مشاركة المرأة في مختلف أوجه الحياة، بما في ذلك المساهمة في الدخل الاقتصادي للأسرة، لاسيما في فترات غياب الرجال في رحلات الغوص عن اللؤلؤ، وهي رحلات طويلة كانت تمتد لأربع أو ستة أشهر، تضطلع خلالها النساء بتسيير أمور أسرهن حتى يعود الرجال من البحر، وكثيرا ما كانوا لا يعودون!
وليست هذه هي الفترة الوحيدة التي تدبرت فيها النساء شؤون أنفسهن وأسرهن ومجتمعهن، فقد عاش المجتمع فترة قاسية إثر تدهور تجارة اللؤلؤ والكساد العالمي الذي حدث بعد الحرب العالمية الثانية، مما حتم على العديد من الرجال الهجرة إلى الدول المجاورة، مثل قطر والكويت والسعودية، بحثاً عن فرص عمل بعد اكتشاف النفط هناك، أو الذهاب في أسفار بعيدة حول الهند وأفريقيا في محاولة لإنعاش التجارة البسيطة التي كانوا يزاولونها.
وحتى في الأحوال العادية كانت المرأة في مختلف البيئات منتجة ومؤثرة في محيطها، سواء كانت في الصحراء أو على سواحل البحر أو في الواحات والجبال، فقد برعت في صنع الأدوات التي تستخدمها في يومياتها من مواد أولية موجودة في البيئة، وعملت في الزراعة وجني المحاصيل وتسويقها أيضاً، وكانت لها مشاركات في الصناعات المتعلقة بالحياة البحرية، فكانت تبيع السمك وتشارك في تجفيفه، بل تجاسرت بعض النساء على مهن معروفة بأنها للرجال فقط، كالغوص، وظهرت من تغوص على اللؤلؤ، ومن تحفر آبار الماء.
في هذه الجولة على ذاكرة الباحثين في التراث والكُتاب نحاول أن نلقي الضوء على الأدوار التي لعبتها المرأة في المجتمع القديم قبل قيام الدولة.
الروائي علي أبو الريش يتذكر تلك الفترة حيث كان صبياً (مواليد 1957 في رأس الخيمة)، ويؤكد وجود فكرة خاطئة عن المرأة في الماضي، ويقول: «في صباي كان أغلب الآباء مغتربين إما في رحلات الغوص الطويلة أو كانوا يعملون في الدول الأخري مثل الكويت أو السعودية، وهي رحلات اغتراب طويلة امتدت لسنوات، وطوال فترة غياب الآباء كانت المرأة تقوم بأعمال إنتاجية كثيرة لا تقتصر على الأعمال المنزلية أو تربية الأبناء، فقد كنا نراها تاجرة في السوق تبيع ما تنتج بيدها، أو تجول على البيوت لتبيعها، وكانت مزارعة تزرع وتحصد وتبيع المنتوج الزراعي، وكنا نرى النساء في رأس الخيمة يجلبن الماء من منطقة الحديبة إلى المعيريض، فكن يقطعن حوالى 15 كيلومترا يومياً سيراً على الأقدام، وهن يحملن صفائح الماء على رؤوسهن، في جهد عضلي لن تقوى عليه بنات اليوم أو رجاله».
كانت النساء في ذلك الوقت يقمن بكل الأعمال التي يقوم بها الرجل، كما يروي أبو الريش، حتى أنها كانت تشارك في بناء البيوت من سعف النخيل أو الشعر (الصوف): «لقد عاشت المرأة حياة عصامية بامتياز، واستفادت من نظام الأسرة الممتدة، حيث كانت الجدة أو العمة أو الخالة وحتى الجارة يعتنين بالصغار في غيابها. كانت البيوت مفتوحة على بعضها من دون خوف ولا ريبة، ولم تكن الخادمة المنزلية موجودة بتاتا، كان المجتمع يتحرك بشكل عفوي، وكان طبيعياً أن يجتمع الرجال والنساء في مكان واحد من دون تعقيد؛ كانت أفنية البيوت تجمعهم، ويلتقون في الأسواق، حتى في رحلة جلب الماء، كان الرجال يرافقون النساء ويحملون الماء على ظهور الحمير».
ويرى أبو الريش أن هذه العفوية تراجعت في السبعينيات: «حدث ذلك نتيجة تصنيف العلاقات ذكورية ونسائية، وكان للمتشددين دينياً أثر في ذلك؛ حيث أعطي الرجل دوراً أكبر في الحياة العامة على حساب المرأة، وهكذا… حتى وصلنا إلى امرأة تتشدق بالحرية من دون أن تعرف معناها الحقيقي».
توثيق الماضي
في معرض توثيقه لتفاصيل الذاكرة القديمة عبر زاوية «فنجان قهوة»، والتي كانت تنشر في جريدة الاتحاد ثم تحولت كتاباً مرجعياً يحمل العنوان نفسه، سجل الباحث عبد الله عبد الرحمن روايات كبار السن منذ عام 1975، ورسم من خلال تلك الروايات صورة بانورامية لطبيعة الحياة في الإمارات على السواحل وفي عمق الصحارى وأعالي الجبال ووسط الواحات قبل 100 عام، ومن بين الرواة الذين قابلهم سيدات مجتمع معروفات بمزاولة مهن تتعلق بالناس، مثل الطبيبة الشعبية حمامة بنت عبيد الطنيجي في الذيد، وحمدة بنت حميد الهاملي في أبوظبي، والتي كانت تقود مجموعات نسائية لتزويد السفن الذاهبة إلى الغوص بمياه الشرب، وموزة بنت جمعة بن عبيد في رأس الخيمة، والتي روت يوميات النساء في جمع المحاصيل الزراعية وبيعها، والمخاطر التي واجهنها في تلك الأعمال، بما فيها الولادة على الطريق! وفاطمة مبارك المدفون في دبي، والتي خبرت بيع السمك وتجارة السخام والأقمشة النسائية، وأدارت مطبخاً شعبياً للطبخ في الأعراس.
عن تجربته المثيرة في التوثيق، يقول عبد الله عبد الرحمن: «إنه كان من السهل الالتقاء بالنساء الكبيرات في السن، خاصة أن ذلك يتم غالباً بحضور أحد الأقارب، وكانت الطبيبات الشعبيات متخصصات في الوسم والمسح، وكان من الممكن أن يعالجن الرجال إلى جانب علاج النساء، والكثير منهن كن منفتحات ويتحدثن بأريحية».
ويقول: «كانت المرأة قديماً في عمل دائم سواء في البيت أو في رعي الماشية أو جمع الحطب أو في الزراعة والحصاد، خاصة القمح والغليون الذي كان يزرع في رأس الخيمة. كان دور المرأة يظهر أكثر في الفترة التي يغيب فيها الرجال في مواسم الغوص على اللؤلؤ، حيث تتحمل المسؤولية كاملة عن البيت والأولاد، وفي فترة الغوص نفسها التي تمتد لأربعة أو ستة أشهر، كانت العائلات ترتحل إلى المقيض لقضاء أشهر الصيف الحارة في مناطق أكثر برودة، وهي رحلات طويلة، تستغرق أياماً على ظهور الجمال أو سيراً على الأقدام. وقبل بدء رحلة الغوص كان يتم تموين عائلات الغاصة بقرض من النوخذة، وكانت النساء تقوم بمعظم الأعمال، لأن أغلب الرجال يكونون في الغوص ما عدا كبار السن والمعاقين، وفي فصل الشتاء تتحول مهمات النساء إلى البيوت، حتى النساء البدويات كن منتجات، فكن يتولين مهام مثل الحطابة والرعي والزراعة أحياناً، وبعض النساء كن يزودن السفن الذاهبة إلى الغوص بالماء العذب للشرب، مثل نساء جزيرة غاغا».
ويستدرك عبد الرحمن: «كانت المرأة تشارك في الإنتاج والاقتصاد على قلة المهن والأعمال ومصادر الرزق، والتقاليد لم تكن تبعدها عن العمل لكن رأيها كان مغيباً في أمور شخصية مثل الزواج، وعلى الرغم من أن بعض الأمثال كانت تحمل نظرة تقلل من مكانتها أو عقلها مثل «شاور المرأة وخالفها» إلا أنها كانت تحظى بالاحترام، وكانت قوية الشخصية، بل وكانت المرأة القوية مطلوبة كزوجة وربة بيت. وفي البادية كانت الثقة متبادلة بين المرأة والرجل فكانت تستقبل الضيوف في حال غيابه»، ويرجع عبد الله عبد الرحمن مثل هذه الممارسة المجتمعية الراقية إلى أن «المجتمع كان حريصاً على الأعراف والتقاليد، والفرد أيضاً كان يتحرك ضمن منظومة قيمية متوازنة».
نساء الشرق
على الساحل الشرقي من الإمارات والمطل على بحر عُمان، عاشت النساء وضعاً مماثلاً، وتتذكر الباحثة في التراث فاطمة المغني أنها عاشت صباها في خورفكان في الوقت الذي هاجر فيه الرجال بحثاً عن العمل بعد انهيار تجارة اللؤلؤ، حيث لازمت كبار السن، ونهلت منهم الكثير من القيم والمعارف، وتقول عن تلك الفترة: «كانت المرأة عضداً وسنداً للرجل في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، لاسيما في فترة الغوص على اللؤلؤ التي يغيب فيها الرجال لأشهر عدة، وكانت تقوم بكل الأعمال المنزلية، مثل حلب البقر وصنع السمن العربي وبيعه في السوق، وكان وقتها أحد مصادر الدخل المهمة، وكانت نساء أصحاب المزارع يعملن في جني المحاصيل لاسيما النخيل، حيث كانت تقوم عليها صناعات متنوعة، مثل تجفيف التمر وبيعه وتسويقه، واستخلاص الدبس من التمر، وكلها منتجات للمقايضة التجارية مقابل الدقيق والسمك وغيرها، وعملت النساء أيضا في تجفيف السمك وطحنه لصناعة «السحناة»، وهو سمك مطحون كان يستهلكه الأهالي ويصدر إلى الدول المجاورة، وبعض النساء كانت تقف في السوق لبيع المنتجات المختلفة، ولم يكن من أسر فقيرة، بل كانوا نساء معروفات في المجتمع وكن منتجات».
بالإضافة إلى ذلك برعت النساء في خياطة الملابس لأسرهن وللآخرين، وكانت للخياطة مكانة بارزة في المجتمع كما تقول المغني، حيث تغني بها بعض الشعراء مثل البيت الشعري الشهير:
بانشدج يالكندورة عن من خاط ودرز
قالت حسين الصورة لي في رايح برز
أي أسألك أيها الثوب عن من خاطه وطرزه، فيرد الثوب انه حسن الصورة وغائب، في إشارة إلى الزوج البعيد في إسفاره.
وترى المغني أن النساء وقتها اشتهرن بالدقة في نقش ثياب النساء والمهارة في حياكة الثياب الرجالية بأنواعها، وغالبا كانت القياسات تؤخذ من الأثواب القديمة للرجل. وكانت النساء تقص البراقع لها وللآخرين، وتقول: «حتى في مملكتها الصغيرة (بيتها) كانت المرأة منتجة، وعلى الرغم من صرامة العادات كان الرجل يعطي المرأة الثقة لتستقبل الضيف في غيابه عن طريق أحد الأطفال، فيتم إدخاله إلى المجلس، وتقدم له الفالة والضيافة، فمن المعيب أن لا يستقبل الضيف وتقدم له واجبات الضيافة، وبعدها قد يقال للضيف أن رجل البيت غير موجود».
العديد من العادات القديمة كانت تعكس تعاضداً مجتمعياً داعماً للجماعات، بمن فيهن النساء، فعند إعداد (التلي – خيوط التطريز لتزيين ثياب النساء)، كانت النسوة يجتمعن في أحد البيوت صباحاً، في تجمع قد يفسر بأنه روتين لتنظيم العمل، حيث تقدم الفوالة أو الضيافة، وتقول المغني: «المرأة كانت تعرف أن لها دوراً في الحياة، وأنها سند للرجل، ومع أن بعض العادات كانت تحد من إنتاجها مثل وقت العدة إذا ما توفي زوجها أو بعد الولادة، حيث لم يكن مسموحاً لها القيام بالأعمال المعهودة، فكانت الجارات يساعدنها في إنجاز الأعمال، كان التكافل الاجتماعي يساعد النساء في الإنتاج».
بروز نسوي
أما المؤرخ الدكتور فالح حنظل فيشير إلى حضور المرأة على أكثر من مستوى، فالشيخات كن يستقبلن النسوة ويقضين حاجاتهن، وقد برزت بعض النساء المميزات اللاتي ساهمن في بعض الأحداث الكبرى، وفي أبوظبي كانت الشيخة سلامة بنت بطي والدة المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان تستقبل النساء في مجلسها في قصر الحصن لتقضي حوائجهن. كما أن التاريخ يذكر امرأتين أثرتا في مسار الأحداث في المنطقة، كما يقول حنظل، إحداهن موزة بنت أحمد بن سعيد في عُمان، والتي كانت لها مواقف قوية ساهمت في إيقاف الحروب بين إخوتها، ويقول: «أغلب الظن أن اسم موزة الدارج بين بنات الخليج يعود إليها، وأيضاً ظهرت الشيخة فاخرة أخت حاكم دبي وقت الإنزال البريطاني عام 1820، وكانت شخصية نافذة في المجتمع، كما أن صيت الشاعرة عوشة بنت خليفة السويدي قد تخطى البلد، فكانت لها قصائد مع الشاعر القطري الشهير ابن عفيشة، وكانت متميزة بثقافتها الواسعة، على الرغم من أن قرض النساء للشعر لم يكن مرحباً به في الثقافة العامة».
ويضيف حنظل: «في المجال العام برز نوعان من النساء، مثل بعض نساء الطواويش أو تجار اللؤلؤ اللاتي كن يمولن رحلات الغوص ويجمعن المردود ويبعن اللؤلؤ للتجار مثل عوشة بنت عبيد المزروعي في عجمان، والشيخة لطيفة بنت حمدان بن زايد في دبي، وغيرهن من النساء النابغات من طبقة الأعيان. وفي دبي كانت العديد من النساء يباشرن قضايا التجارة لشهرة المدينة العريقة في هذا المجال، ثم المطوعات اللواتي كنّ يعلمن الأطفال في الكتاتيب، وكان ينظر للمطوعة نظرة تقدير واحترام، ويؤخذ عملها بعين الاعتبار في المجتمع»، وقد أحصى الباحث عبد الله الطابور في كتابه «التعليم التقليدي، المطوع، في دولة الإمارات العربية المتحدة» قرابة 48 مطوعة في رأس الخيمة وحدها، مما يدلل على انتشار هذه المهنة بين النساء.
من جهة ثانية، وعلى المستوى النظري ــ إن جازت العبارة ــ فإن النظرة إلى المرأة كانت تتذبذب بين التوقير والتهميش كما هي الحال في المجتمعات الشعبية وعند البسطاء، كما يقول حنظل، ففي الأمثال قد يعلى من شأن المرأة الأم مثل القول (أمك أمك أمك ولو كانت أمة)، وفي الجبن كان يقال (الرجل عن مَرَة (امرأة) والمَرَة عن 70 رجل)، وعدم الثقة بالمرأة يظهر في المثل (المرأة ربت ثور وما جزر)، أي المرأة لا تستطيع تربية الأطفال من دون رجل، أما في الحروب فكانت لا تُقتل ولا تُؤسر، ويضيف حنظل: «لم نسمع أن المرأة كانت ممنوعة من الخروج من البيت، فهذه مبالغة، لأن المرأة كانت تخرج في زيارات عائلية وإلى الجارات، بالإضافة إلى مهام التروية والاحتطاب التي تقوم بها يومياً، ولم تكن المرأة تقبل التراث غير المعقول، فكانت ترفض محاولات حجبها وحبسها في البيت، وحدث هذا في كل مكان بطرق مختلفة».
يوميات المرأة
كان البرنامج الصباحي للمرأة، وفق حنظل، يبدأ بإعداد القهوة، لأن الرجال كانوا يجتمعون أربع مرات في اليوم لشرب القهوة، وكانت القهوة مقياس لدرجة إجادة ربة البيت عملها، بعدها تذهب المرأة إلى ما يسمى بالتروية وجمع الحطب، حيث تجلب النساء الماء من الآبار ويجمعن الحطب، وهذا واجب المرأة، ولم يكن الرجال يقومون بذلك، وهناك مثل يقول (الخبر تشيعه الطوايات) أي أن النساء اللاتي يذهبن إلى الآبار هن من يشعن الأخبار، وبعدها يأتي دور الطبخ وإعداد الطعام والاهتمام بالمنزل.
ويقول حنظل: «أما الصناعات التي كانت تزاولها النساء فكان لها علاقة بحياكة الأقمشة والملابس والغزل والسف، أي إعداد منتجات من سعف النخيل المجفف مثل الحصران والمكبة وهو غطاء صحن الطعام، والمهفات والزرابيل (الجوارب)، كما أنهن مارسن مهن مثل التوليد والتطبيب بالحجامة ومعالجة أمراض النساء من منازلهن، ولم يعرف عن ذهاب النساء إلى أماكن عامة للعمل».
وكانت النساء يبعنَ في السوق بشكل اعتيادي، فقد رآهن حنظل بنفسه في سوق العرصة في العين يبعن التمور وغلال المزارع التي تأتي بها نساء العائلات التي تمتلك المزارع. ويقول: «كان مسموحاً للنساء البيع في السوق، فكن يبعن الخرز وأدوات المكياج القديمة مثل «البضاعة» و»الورس» والعطور، وعلى رأسها العود و»الديرم» أو قشر الرمان الذي يقوم مقام أحمر الشفاة الآن والكحل طبعاً، وفي سوق السمك شاهدت نساء من أصول أفريقية يبعن السمك وأنواع السمك المجفف الأخري». ويعتقد حنظل أن أصعب فترة بالنسبة للنساء في الخليج كانت عندما يذهب الرجال في رحلات الغوص على اللؤلؤ، حيث تترك المرأة مع حفنة أطفال لتقوم بواجبات الرجل والمرأة على حد سواء، ويقول: «هذه إحدى الأدوار البطولية التي قامت بها النساء، والتي تبعث على الشعور بالكرامة والفخر والاعتزاز، فكثيراً ما كان (التسقام) لا يكفي – المقدمة المالية التي يقدمها الطواش للغاصة قبل رحلة الغوص».
نساء مؤثرات
خلال المائة سنة الماضية ظهرت في الإمارات شخصيات نسائية ثقافية واجتماعية وسياسية فاعلة، عبرت بوعيها والأدوار التي لعبتها والمواقف التي اتخذتها عن المرأة الناضجة والمتفاعلة والمشاركة في صنع القرار وتغيير التاريخ، مثل المغفور لها الشيخة سلامة والدة مؤسس دولة الإمارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراهما، وكذلك المغفور لها الشيخة حصة بنت المر والدة الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم طيب الله ثراهما. كما تتجلى الجوانب الابداعية النسائية في الثقافة الشعبية بصورة أوضح كلما اقتربنا من الشعر والغناء والحكايات الشعبية والفنون القولية والأدائية الأخرى، بمشاهدها الجماعية أو الفردية على المستوى الأسري المنزلي أو في المجالس والملتقيات النسائية الاجتماعية أو في مواقع العمل أو المناسبات والحالات الخاصة. لكن الخصوصية الإبداعية والحضور الأبرز للفعل الثقافي والاجتماعي للمرأة ستكون مع تلك المأثورات والمحفوظات من النماذج الأدبية النسائية الشعرية التي تبرز من رموزها سلمى بنت ابن ظاهر وصولا إلى الشاعرة عوشة بنت خليفة السويدي المعروفة بفتاة العرب، وغيرهما من الشاعرات. ويبدو أن التعليم على ندرته قد أعطى للمرأة مكانة متميزة، حيث يوثق أحد الرحالة الأجانب الذي جاء إلى الإمارات في عام 1901 في كتاب سماه (الخطوط المتعرجة في مناطق الرمال) ما ترجمته أن عبدالله بن قمبر ربان السفينة التي نقلته من البحرين إلى الإمارات دعاه إلى تناول الطعام في منزله في دبي، حيث التقى بزوجة النوخذة وتحدث إليها فوجدها امرأة عالمة بالقرآن وتفسيره وعلى جانب كبير من الفهم، وتدل هذه الرواية أن حظ بعض النساء من التعليم لم يكن سيئاً، خاصة أن العديد من النساء عملن «مطوعات» يعلمن الصغار القرآن ومبادئ القراءة، فكن بمثابة مراجع علمية وفكرية ودينية في المجتمعات النسائية الساحلية أو الداخلية والبرية أو الجبلية.
عبدالله عبدالرحمن
طَميرات الآبار
يعتبر الباحث عبد الله عبد الرحمن «العمل التي كانت تقوم به نساء جزيرة غاغا (30 كلم عن مدينة السلع الحدودية) أيام الغوص على اللؤلؤ عملاً بطولياً ذهبت ضحيته العديد من النساء، إذ كن يملأن (فناطيس) أو خزانات ماء الشرب للسفن الذاهبة إلى الغوص، إذ كانت الجزيرة تتميز بغزارة مياهها الجوفية العذبة، فكان يكفي الحفر على عمق مترين حتى تتدفق المياه من أرضها، وكانت النساء تقمن بهذا العمل الشاق من حفر الآبار ونقل المياه المستخرجة على رؤوسهن ومن ثم ملء الخزانات التي تصطف على الشاطئ قبيل موسم الغوص، وكثيرا ما طمرت الجدران الرملية الهشة لهذه الآبار المؤقتة في جوفها النساء وهنَّ يحفرن قيعانها، كما أن عملية ملء الخزان الواحد قد تستغرق أكثر من ثلاثة أيام متواصلة صباحا ومساء حسب حجم الخزان».
شمسة الغواصة
نشرت مجلة «تراث» الصادرة عن نادي تراث الإمارات في أبوظبي في عددها الصادر في يونيو 2004 لقاء مع شمسة بنت سلطان المري، والتي مارست الغوص على اللؤلؤ في صباها في جزيرة «صلاحة» التي تبعد عن أبوظبي 160 كيلومتراً، حيث نقلت أنها جربت الغوص على اللؤلؤ أول مرة مع والدها وأخيها في هير «أم قريع» في أواخر أربعينات القرن الماضي، واستمرت في الغوص في هيرات غير عميقة تحت إشراف عائلي حتى زواجها في خمسينات القرن الماضي، وهي في العشرين من عمرها، وفي الثمانينات عملت في توريد السمك الذي كانت تصطاده بالقراقير والشباك لشركات البترول في الضبعية، حيث سكنت لاحقاً، وكانت لها حظرة لصيد السمك تشرف عليها بنفسها وكانت تبيع السمك طازجاً أو مملحاً في السوق.
تعد قصة شمسة استثنائية في تاريخ الغوص على اللؤلؤ وتاريخ المرأة في المجتمع الإماراتي القديم، حيث تعد تجربتها فردية وليست ظاهرة عامة، فقد كانت رحلة الغوص على اللؤلؤ رجالية بامتياز لما تتطلبه من مجهودات عضلية ضخمة في كل مراحلها، كما أن قصتها تعكس إرادة النساء الصلبة للتحدي والإنجاز.
المصدر: الإتحاد