كاتب وإعلامي سعودي
تصدَّر الصحفَ المحلية الأسبوع الماضي خبرُ تكريم سيدة تملك محلاً قرب إحدى المدارس الثانوية في مدينة عرعر. اعتقدت في اللحظة الأولى أن هذا التكريم بسبب منجز وتفوق تعليمي قامت برعايته لإحدى طالبات تلك المدرسة، أو أن إحدى بناتها تفوقت في تحصيلها الدراسي. لكن للأسف أن الإنجاز الذي قدمته هو توفير عباءات لطالبات الثانوية العاشرة بعد خروجهن إلى فناء المدرسة ثم إلى الحافلات بسبب خلل كهربائي في المدرسة.
إننا – لا شك – نقدر موقف تلك السيدة وعدم قبولها أي مقابل مادي لما قامت به، ولكن ما يثير التساؤل هو مسألة ارتداء العباءة وأهميته في مثل هذا الظرف والنظرة إلى المرأة في مجتمعنا واختزالها في العباءة فقط وكأن تلك السيدة لو لم تقم بتلك المبادرة لحدثت كارثة بسبب عدم ارتداء الطالبات لها بسبب خروجهن من المبنى في ذلك الظرف الطارئ.
مشكلتنا في المجتمع هو وجود المرأة وخروجها للدراسة والعمل وفي الوقت نفسه. نريد أن نطبق عليها مفاهيم لا تمتُّ بصلة إلى العصر الذي نعيش فيه، فكلنا بتذكر حادثة طالبات مكة حينما منع أعضاءٌ من هيئة الأمر بالمعروف دخول الرجال للمساعدة في إنقاذهن، وأخيراً حادثة وفاة طالبة في جامعة الملك سعود بسبب منع دخول سيارة الإسعاف إلى الجامعة.
«فوبيا» المرأة وعملها ووجودها في جميع المناشط الاجتماعية والاقتصادية هي قضية ملحّة. أعتقد بأن هناك تيارات دينية متشددة تستعملها وكأنها تدافع عن الدين والثوابت، ولكنها في الحقيقة تستخدمها في أجنداتها السياسية، فمن الغريب أن نشاهد رموز تلك الجماعات تنادي وتتباكى على ضياع الديموقراطية في بعض الدول التي وصل فيها تيارات الإسلام للحكم ونشاهد تلك الرموز على شاشات التلفزيون في دفاع مستميت عن حقوق الإنسان، ولكن العجيب والغريب أنه حينما تصل المسألة إلى قضية حقوق المرأة في المملكة من حق العمل والولاية وقيادة السيارة نجدهم يناقضون ما يطالبون به من مبادئ العدالة وحقوق الإنسان. إنهم يلعبون على ماهية محافظة المجتمع التي غرسوها في مجتمعنا في فترة ما يطلق عليه «الصحوة» ويمكن أن تسمى فترة اختطاف المجتمع، مستغلين ظروفاً محلية وإقليمية في الماضي. علينا أن نعترف أننا مقيدون نحو التقدم بقضايا خلقها هذا التيار وأصبحنا ندُور في حلقات لا نستطيع الخروج منها إلا بقرار رسمي من أعلى سلطة في الدولة، وهو إعطاء المرأة حقوقها كاملة وعدم الالتفات إلى مثل هذا الخطاب المتشدد الذي استغل قضية المرأة وكبّل حركة المجتمع في العقود الماضية.
وأكبر دليل على ذلك هو إعطاء المرأة السعودية حق الابتعاث للخارج، وما نادوا به – على رغم التهويل والادعاءات غير الصحيحة من بعضهم حول المخاوف التي طرحوها – لم يحدث. وقضية عمل المرأة وقفوا ضدها عندما دخلت إلى سوق العمل وهُيئت الظروف وطُبقت الأنظمة لحمايتها كما في كل دول العالم أصبحنا نشاهد المرأة تعمل مثل الرجل في المجتمع السعودي.
نأمل من وزارة التربية والتعليم أن تحتفي بإنجازات علمية حقيقية، وأن تهتم بمباني المدارس وأن تجعلها آمنة للعملية التربوية وأن ننتهي من حوادث المدارس المتكررة. ومتى وصلنا إلى هذه المرحلة فهذا يعد حقاً إنجاز يستحق الاحتفاء به.
أما قضية توفير عباءات للطالبات في مثل هذه الحال فلماذا لا يوجد مثلاً محل للعباءات عند كل مدرسة بنات مثلاً. علينا أن نهتم بالعملية التعليمية والابتعاد عن مثل هذه التفاصيل المضحكة.
المصدر: الحياة