لقد اهتم عدد مقدر من العلماء والمفكرين، بدراسة التغيير أو التغير الاجتماعي، ومن بينهم «الفن توفلر»، فهو يرى أن المجتمعات الغربية تجتاحها موجات التغيير بتردد متفاقم وسرعة متزايدة، منذ بداية الثورة الصناعية، التي جلبت معها غرائب الأشياء، ابتداءً من أطفال في العاشرة لا يبدون كأطفال، ورجال في الخمسين يبدون كأطفال في الثانية عشرة.
وأن الكثير الذي يبدو أمامنا مستعصياً على الإدراك، سيبدو أقل غموضاً، إذا ما نظرنا إلى معدل التغيير المتسارع، الذي جعل تيار التغيير يبدو أحياناً كالخيال، وهو لا يقرع أبواب مجتمعاتنا، بل يندس ويتغلغل داخل بيوتنا وحياتنا الشخصية، ويرغمنا أن نلعب أدواراً جديدة، وينذر بخطر مرض نفسي جديد، هو «صدمة المستقبل»، وهي غير «صدمة الثقافة»، لأن الأخيرة تحدث لمن يجد نفسه في مكان حيث كلمة «لا تعني نعم»!».
وهي حالة استثنائية دون شك.
أما «صدمة المستقبل» فهي: ظاهرة كونية زمنية من نتاج المعدل مطرد السرعة للتغيير في المجتمع، وهي لا محالة تنشأ من عملية التركيب لثقافة تقليدية قديمة، فوق ثقافة جديدة ومعاصرة، إنها أزمة ثقافة فرد في داخل مجتمعه.
لكن آثارها تكون أفدح عندما تدركها في مجتمع جديد.
وفي ثقافة مغايرة ذات مفاهيم وقناعات مختلفة عن الزمان والمكان والجنس والدين والحب والعمل، ويزداد الأمر تعقيداً إذا كانت البيئة الجديدة في حالة تغير مستمر… ولك أن تتخيل حدوث هذه الحالة، ليس لفرد، ولكن لمجتمع بأسره، والثابت أن حركة التغيير المتسارع، هي القوة الكامنة خلف الإثبات.
وبسبب هذا التغيير، تبدل إيقاع حياتنا اليومية، لدرجة أننا لم نعد نحس الحياة كما كنا ندركها سابقاً، والمشكلة تكمن في أن التغيير صار خارج نطاق التحكم لسبب بسيط، لأنه نسبي، ولأنه من دون الزمن يصبح التغيير بلا معنى، ومن دون تغيير، يفقد الزمن بالضرورة معناه.
عندما تتغير الأشياء من حولك، فإن تغييراً موازياً يحدث في داخلك، كما يقول «كريستوفررايت».
إن المتتبع لمسار الأحداث، خصوصاً في أعقاب تداعيات ثورات «الهلاك العربي»، التي أطاحت ببعض الحكام في زمن قياسي، وأحدثت ربكة وهلعاً لأنظمة شمولية أخرى، ما هي إلا تغيرات تمتحن بها الأنظمة مدى قدرتها على الصمود لمواجهة تسارع التغيير الفكري أو السياسي أو العقائدي والمذهبي.
إن الشواهد أمام أعيننا، تنبئنا أن الثورة العلمية التي جلبت معها قفزة إلى تكنولوجيا المواصلات والاتصالات الرقمية، حولت عالمنا بتراكم الاختراعات، إلى قرية كونية، وعند «توفلر»، أن التغيير امتد إلى كل شيء.
لقد مس الحياة المادية. كما لمس حياتنا الثقافية، وشبكة علاقاتنا الاجتماعية والأسرية، ثم لحق بأفكارنا، وهز معتقدات وقناعات معظم أفراد المجتمع، أي مجتمع، لدرجة أن سرعة التغيير بلغت حداً، نستطيع أن نقول معه إن الإنسان في عالمنا الذي نعيش فيه الآن، يصبح كل يوم، ليجد نفسه أمام عالم غير الذي نام عنه بالأمس! وحتى لا يصاب بالاكتئاب، عليه أن يجاهد ليتكيف، ويعيد ترتيب حياته مع نمط لتيار حياة لا يتوقف عن الجريان.
ينتهي بنا «الفن توفلر»، في بحثه العبثي عن صيرورة المستقبل، إلى تأكيد حاجتنا إلى صدمة علاجية لنستفيق من مغبات صدمة المستقبل، ولا سبيل إلى «الصحوة»، كما يرى، إلا بفتح نوافذ عقولنا وقلوبنا في اتجاه الهواء القادم من صوب الماضي، وبسرعة في المعدل تجتاز الحاضر والمستقبل.
ويفاجئنا هكذا، ومن دون إذن أو ترخيص، بما يمكن أو لا يمكن توقع حدوثه، وها هو الإنترنت والفيس بوك، صارت أدوات تغيير، يرتعد منها بعض طغاة الحكام في الأحداث الجارية في عالمنا، ومثال على ذلك:
ما حدث في بعض الدول من رقابة عقابية قمعية مرعبة على مستخدمي شبكة التواصل الاجتماعي! إذن، تيار التغيير قادم لا محالة، كاسراً بذلك خط الفصل التقليدي بين الأمس واليوم والغد، بل وبين الحاضر والمستقبل، والغافل من يظن أن الأشياء دائماً هي الأشياء ذاتها…
إذن «صدمة المستقبل»، كما يراها «توفلر»، أن تيار التغيير قادم لا محالة، كاسراً بذلك خط الفصل التقليدي بين الأمس واليوم والغد، بل وبين الحاضر والمستقبل، والغافل من يظن أن الأشياء دائماً هي الأشياء ذاتها، فهل يا ترى يعتبر قادة الأنظمة القمعية «ووكلاؤهم الرسميون لمشروعهم العدائي التوسعي في منطقتنا العربية»، هل يستطيعون أن يراجعوا حساباتهم مع شعوبهم، ويغيروا نهجهم وسلوكهم مع جيرانهم قبل فوات الأوان و«صدمة المستقبل»؟!، خاصة بعد أن ثارت عليهم الشعوب رافضة وغاضبة على نهجهم المعادي الطائفي البغيض.
ومثال على ذلك، ما حدث في العراق أرض الحضارة… ويحدث الآن بشعبية جارفة غاضبة، لم يسبق لها أن حدثت بهذا التحدي، وكسر حاجز الخوف والصمت في لبنان الشقيق «أرض وموطن الأَرز».
المصدر: البيان