ابتسم… تطلع الصورة حلوة

آراء

عن اللحظات التي لا تُلتقط، وعن أولئك الذين يمنحونها الخلود.

ليست كل لحظة علينا أن نوثّقها، لكن كل اللحظات تستحق أن تُعاش. ولا كل صورة تحتاج إلى عدسة، فكثيرًا ما تكون أصدق الصور تلك التي لا تُلتقط، بل تحيا في الذاكرة. لحظات ترسم على كياناتنا ابتسامات ربيعية، وتترك أثرًا لا يُمحى.

بالنسبة لي، الصورة ليست مجرّد إطار يُجمّد الزمن، بل نافذة تُطلّ على رحلة عبر التفاصيل… تلك التي نعرفها، وتلك التي نجهلها. أحب تصفّح الألبومات القديمة، خاصة حين يدور صندوق الموسيقى المرفق، وكأن الصورة تُغنّي ما عجزت اللحظة عن قوله.

وإن كنت أتحدّث عن العدسة والزوايا، فلأن خلف هذا النص مصوّر، هو خالد جمعة الكعبي.

خالد لا يُصوّر، بل يتلاعب بالضوء. لا يبحث عن الكادر المثالي، بل عن اللحظة التي تُشبه الحقيقة.

حين تقترب منه، يبدو خجولًا، لكنه يملك جرأة في إبداعه.

ولعلّ ما يميّزه أكثر، أنه لا يدرك — أو يتظاهر بعدم الإدراك — كم يحمل من الإبداع. ومع ذلك، التقط بحسّه أنني لا أحب الوقوف أمام الكاميرا، ومع ذلك جعلني أبتسم أمامها، وكأن عدسته ليست سوى امتدادٍ لقلبه. هو من أولئك الذين لا يحبون الظهور، لكنه لا يمانع أن يكون شاهدًا.

ما لا يعلمه خالد أنني لم أقف أمام كاميرا استوديو منذ سنوات، وتحديدًا منذ أن جدّدت جوازي قبل نحو خمسة أعوام. كان ذلك الضوء، وتلك الخلفية البيضاء، أشبه بذاكرة معلّقة.

هؤلاء المصوّرون المجهولون، الذين لا نعرف أسماءهم، يمرّون في صمت بين صور جواز السفر، وبطاقة الهوية، وصور العمل… وكأن المصوّرين الحقيقيين لا يطلبون الخلود، بل يخلّدون اللحظة. هم الشركاء الخفيّون في ذاكرة لا تُنسى

وخالد من أولئك؛ لا يكتفي بتوثيق اللقطة، بل يمنحها بُعدًا تتنفّس فيه الصور ببصمته البصرية.

لا يحتاج الضوء إلى من يطارده، بل إلى من يفهم كيف ينكسر على قلب العدسة فتولد اللحظة، فيمنحها معنى. وهكذا يفعل المصوّر الحقيقي: يُعيد تعريف الصورة، لا بوصفها نتيجة، بل تجربة.

في عالمٍ مهووسٍ بالبريق، قلائل هم الذين يفهمون سرّ الرقي الواقعي… بهاءٌ لا يحتاج إلى إعلان، يكفيه أن يكون.

اضحك… الصورة تطلع حلوة.