أكد العلامة الشيخ عبدالله بن بيه رئيس منتدى تعزيز السلم، أن العالم العربي والإسلامي يعاني سوء المخرجات، لا سيما مع تقديم البعض نصوصاً بلا مقاصد.
وانتقد العلماء الذين يساندون الإرهابيين والمتطرفين بفتاواهم، واصفاً إياهم «بتجار التجزئة، يعطون الفتوى حسب طلب أنصارهم»؛ مضيفاً: لذلك فإن أهم ما نحتاج إليه علماء يجمعون ولا يفرقون، يصلحون ولا يفسدون، قادرين على الخروج بنا وبالمجتمع المسلم من ظلمات الجدال إلى نور الدين السمح، وهو ما يتم العمل عليه من خلال برنامج إعداد العلماء المواطنين. جاء ذلك في كلمته في حفل إطلاق برنامج إعداد العلماء الإماراتيين، أمس، من خلال مركز «الموطأ للدراسات والتأهيل والنشر»، برعاية سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، الذي يشرف عليه معالي ابن بيه.
حضر الإطلاق، الدكتور شوقي علام مفتي الديار المصرية، وسماحة السيد علي الهاشمي المستشار الديني بوزارة شؤون الرئاسة، ومعالي الدكتور علي راشد النعيمي الأمين العام لمجلس حكماء المسلمين والعضو المنتدب لمركز الموطأ، والدكتور محمد مطر الكعبي رئيس هيئة الأوقاف والشؤون الإسلامية، إضافة إلى العديد من العلماء.
إمارات التسامح والوسطية
وأكد ابن بيه أن هدف البرنامج يكمن في استيعاب الرؤية الإماراتية في التسامح الديني، وتبني منهج الوسطية في الإسلام، وتحقيق الولاء للدولة وشرعيتها، وسنربي أبناءنا العلماء الجدد بأن يعوا المخاطر، وأن يكونوا قادرين على حل المشكلات الدينية بشكل عام سواء في الدعوة أو الفقه أو حتى الأمور القضائية.
اضطرابات فكرية
وقال: إن انتشار المذاهب المختلفة على الساحة الإسلامية والعالمية، خاصة تلك التي تحمل رسالة دعوية ذات مضمون عقدي وسياسي واجتماعي يرمي إلى إحداث تغييرات وانحرافات حادة على الساحة الإسلامية من خلال تكوين العشرات، بل الآلاف من شباب المسلمين في جامعات مبرمجة خصيصاً لهذا الغرض، من شأنه أن يحدث اضطراباً فكرياً وقطيعة مع الموروث التاريخي. ولا ريب أن هذا الأمر خطير في مجالات مختلفة، منها: المجال الديني، حيث لا يخفى على أحد ما في هذا الانحراف من خلل ديني وعقدي يخالف كل الأدلة الشرعية المبسوطة في كلام علمائها. ومنها أيضاً في المجال الاجتماعي، حيث أدى هذا الخلل إلى اضطراب فكري وثقافي في مجتمعات كانت مستقرة على ثوابت عقدية وسلوكية، وأصبحت بفعل الأفكار المستوردة والتعاليم المستجلبة من دون ثوابت؛ بل أصبحت في مهب رياح أفكار وممارسات لا صلة لها بموروثها، فكانت نتيجة الفكر الجديد، القطيعة بين الماضي والحاضر. ومنها كذلك في المجال السياسي والأمني، حيث نشأت عنه ولاءات لا علاقة لها بدولة الوطن ولا بنظامه ولا لشرعيته.
وأضاف: إن مدخلات البرنامج هي اللغة العربية ومقاصد الشريعة وعلوم الفتوى، إضافة إلى بقية العلوم الشرعية، مضيفاً أن البرنامج يوصف بأنه غير تقليدي، ويتجاوب مع التحديات التي يحتاج إليها طلبة العلم لسد الثغرات في التأهيل الشرعي.
الصرح المعرفي
وقال معاليه: إن مبادرة «برنامج إعداد العلماء الإماراتيين» لبنة جديدة من لبنات الصرح المعرفي المشيد، وحلقة جديدة تؤسس على ما سبقها، لاستكمال الجهود الدؤوبة، في الارتقاء بفاعلية الإنسان، في جودة عمله، وإتقان صنعته، ومتانة تكوينه، فالإنسان هو رأسمال هذا البلد، وهو وسيلة كل جهد تنموي، وهو غايته، فلا تنمية إلا بالإنسان وللإنسان، إذ إن كل الأعمال التنموية الهدف منها إسعاد الإنسان مادياً وروحياً، وتوفير مستلزمات الحياة الكريمة.
وأضاف معالي الشيخ عبدالله بن بيه أن أوضح مظهر لهذا الخلل هو التماهي الذي يحدث عند الشباب مع مصادر الفكر المنحرف، وانقلاب الولاء الديني والسياسي من بلدهم إلى تلك الجهات المصدرة له، وقد يصل الأمر إلى ارتكاب خروقات أمنية موجهة من جهات أجنبية، سواء كانت تنظيمات إرهابية أو حكومات. لذلك لا بدّ من بذل كل جهد لإعادة هؤلاء إلى حضن الولاء للأوطان وما تمثله من رموز وطنية من عنوان مجدها ومطلع سؤددها وسعدها.
ولفت معاليه إلى أن هذه الرؤية ليست غائبة أو مغفلة في التجربة الإماراتية على مستوى التدبير الديني، ولكن الإخلال بها في بعض الأقطار الإسلامية أدى إلى عجز عن فهم علوم الشرع وإلى ضمور في علوم الشرعية وانحسار الاستنباط. والعلوم الشرعية هي الرديفة لعلوم الشرع، فعلوم الشرع هي الكتاب والسنة والتفسير والفقه. والعلوم الشرعية هي المضافة إليها؛ كاللغة والنحو وأصول الفقه والبلاغة والمنطق عند البعض، وهي من شروط الفتوى والاجتهاد، بالإضافة إلى بعدٍ وافٍ عن العلوم الإنسانية من تاريخ وأدب وفلسفة واجتماع، وعن الواقع المعاصر. تلك هي المنظومات الثلاث التي يجب أن تتكامل في شخصية العالم المعاصر علوم الشرع، العلوم الشرعية العلوم الإنسانية.
أشار فضيلة الشيخ عبد الله بن بيه إلى أن ما سنصل إليه من أفكار سيعم بالفائدة على جميع الأمة العربية والإسلامية والإنسانية، وبالتالي الإشعاع متزايد في دولة الإمارات، وأن حضور عدد كبير من العلماء من مختلف دول العالم إلى الدولة يدل على هذه الثقة والمصداقية، وبطبيعة الحال فإن البرنامج والدورات التدريبية يمكن أن تستقبل طلاباً من دول أجنبية للاستفادة منها، وأن دولة الإمارات ترحب بذلك؛ لأنها منفتحة على العالم كله.
نشر الوسطية والسلم
ويشرف على البرنامج معالي العلامة الشيخ عبدالله بن بيه، أما التأطير العلمي والأكاديمي فيعود لنخبة من العلماء الأكاديميين في الدراسات الشرعية والعلوم الإنسانية ذوي الخبرة والكفاءة والإيجابية والفاعلية. ويهدف البرنامج إلى إعداد علماء إماراتيين مؤهلين لنشر خطاب الوسطية والسلم، وقادرين على تصحيح المفاهيم الخاطئة، وترسيخ اختيارات المجتمع الإماراتي والإسهام في تحقيق الغايات والكبرى لقيادته الرشيدة، وتكوين مجموعة من الشباب الإماراتيين تحمل معرفة دينية صحيحة وفاعلة في إطار ثوابت الإسلام ومقاصده. كما يهدف إلى تأهيل الشباب الإماراتي للوظائف ذات الصلة بالدين والتدين في مؤسسات الدولة وهيئاتها، والإسهام في ضمان استمرارية جودة وتجدد النخب العلمية في المجتمع الإماراتي، وتزويد الطلبة بتكوين علمي مكثف ومتين، يتأسس على التراث الإسلامي الأصيل، ويعتمد المنهج السليم، ويراعي أولويات الواقع، وينفتح على التجارب والخبرات الإنسانية.
مميزات منهجية العلم والمعرفة
من جهته، توجه الدكتور علي راشد النعيمي الأمين العام لمجلس حكماء المسلمين، العضو المنتدب في مركز «الموطأ للدراسات والتأهيل والنشر»، رئيس مجلس أبوظبي للتعليم،
بالشكر إلى صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، على رعايته وسهره الدائم على تنمية المعارف في الدولة، ومنها هذا المشروع المبارك، الذي يشكل خدمة ليس للوطن والعرب والمسلمين فقط، وإنما للإنسانية جمعاء، وحث النعيمي الطلبة، على الاستفادة من البرنامج؛ حتى يكونوا علماء نور؛ لا سيما أن هناك ما يميز الطلبة المنتسبين للدورة الأولى، ألا وهي غلبة البنات على عدد الشباب، وهذا ما نود أن نقوله للعالم: إن بنات الإمارات يتأسين بأم المؤمنين سيدتنا عائشة، رضي الله عنها، التي أخذ المسلمون عنها نصف دينهم.
جيل لا يعترف بالتعصب
وقال الدكتور محمد مطر الكعبي رئيس هيئة الأوقاف والشؤون الإسلامية: تجسيداً لرؤية قيادتنا الرشيدة وتنفيذاً لخطتها الاستراتيجية في ترسيخ الخطاب الإسلامي المعاصر، فإن «الهيئة» يسعدها اليوم هذه الإضافة للصرح المعرفي الإماراتي، الذي نسعى معاً لأن يكون المرجعية الإسلامية العالمية في التسامح والسعادة لكل بني البشر.
وأضاف أن انطلاق برنامج إعداد العلماء هو انطلاق منهجية الشباب المؤهلين للنقد والتحليل، لتصحيح مسارات الفكر وانزلاقاته.
وتابع: إنهم من الجيل الذي سيشكل الحصانة المستدامة لروحية الدين الحنيف وأصالته ومقاصده في الرحمة والتعايش الحضاري؛ مما يزدهر به الإنسان والأوطان. والقيام بتعزيز الانتماء لهذا الوطن والولاء والوفاء لقيادتنا الرشيدة، والمحافظة على هوية التسامح والمحبة، لدولتنا المباركة، كما أسسها على ذلك الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه».
19 دارساً بالمرحلة الأولى والدراسة في سبتمبر
قال معالي الدكتور علي النعيمي، إن البرنامج العلمي رصين وعلى مستوى علمي راقٍ جداً، وسيقوم بتنفيذه وتدريسه كوادر متميزة مشهود لها بالكفاءة والعلم، ومن شروط الالتحاق به أن يكون الطالب حاصلاً على درجة البكالوريوس كحدٍ أدنى، والهدف من اختيار هذه المجموعة المكونة من 19 طالباً في الدورة الأولى، بعد تقدم نحو 60 من الراغبين، ليس قضية الشهادة بقدر ما هي قضية صناعة علماء إماراتيين وإعدادهم وتأهيلهم، بحيث يتبوأون مكانة الريادة والتوجيه وخدمة الأمة، من خلال مخرجات علمية متميزة، لافتاً إلى أنه يجري حالياً دراسة معادلة هذا البرنامج.
وأشار الدكتور علي النعيمي، خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد على هامش الإطلاق، إلى أنه تم إجراء مقابلات لعدد كبير من الطلبة، ومروا باختبارات وتصفيات عدة بمعرفة الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والوقاف، وقد اجتاز هذه التصفيات 19 طالباً وطالبة، وهي الدفعة الأولى ستتبعها دفعات لاحقة، مشيراً إلى أن التركيز ليس على عدد الملتحقين بالبرنامج، وإنما على النوعية والجودة، وأضاف: نحن نتوقع أن جميع الطلبة الذين تم اختيارهم سيجتازون البرنامج، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن البرنامج سيخضع بصورة دورية للتطوير والتحديث والمراجعة، وسيوفر له كل الدعم تحت إشراف فضيلة العلامة الشيخ عبد الله بن بيه.
مفتي مصر: يلبي احتياجات الأمة
ثمن الدكتور شوقي علام مفتي جمهورية مصر العربية، إطلاق البرنامج، مؤكداً أنه يلبي احتياجات الأمة، بعد أن اكتوينا من ولوج غير المتخصصين في هذا المجال، مشيراً إلى أن من مزاياه أنه يستقطب المؤهلين علمياً وحملة الماجستير، من مواطني الإمارات.
فقه الواقع
أكد معالي الدكتور علي النعيمي أن البرنامج يركز على العلوم الشرعية وإذا عدنا إلى التاريخ، نجد أن طلبة العلم كانوا يضربون أكباد الإبل حتى يصلوا إلى جلسة علم يستفاد منها؛ ولذلك القضية لا تقاس بالمقاييس التقليدية، فننظر إلى سنوات الدراسة أو غير ذلك لأن الطلبة لديهم القدر الكافي من العلوم الشرعية والدراسات الإسلامية، وهو بالأساس برنامج مبتكر يتجاوب مع التحديات التي يحتاج إليها أي طالب علم أو عالم.
المصدر: الإتحاد