اجثو على ركبتيك

آراء

هل تعلم أنك تعيش في خدعة كبيرة؟

حواسك تخدعك، عقلك يملىء فجوات ذاكرتك ليرسم لك عالماً متصلاً جميلاً. بل لحظة أين أنفك؟ أليس من المفترض أن تراه دائماً بما أنه يقع في محيط رؤيتك. جرب أن تغلق عيناً واحدة أتراه؟ ما فعله عقلك أن عدل الصورة “بالفوتوشوب” وحذف أنفك من الرؤية!

 جميع حواسك متواطئة عليك فماذا تفعل؟  العالم يتلون تبعاً لمشاعرك فتارة تراه أبيض أو أسود أو حتى وردي!

كذلك الأشياء في نظرتنا غالباً ما تبدو بخلاف ما نتوقعه أو نراه. فالأرض تبدو مسطحة مع أنها كروية. نرى الشمس تدور حولنا لنكتشف أننا لا ندور إلا حول أنفسنا. في وقت ما ظننا أننا مركز الكون لنعرف لاحقاً أننا لا نعيش إلا على هوامش مجرة صغيرة. بينما الشمس التي استطيع أن احجبها الآن بأصبعي، نستطيع وضع ما يقارب مليون كرة أرضية بداخلها!  (أو بدقة أكثر أنت وأشكالك وفوقكم 1.3 مليون أرض).

ولكن تبقى حل أعظم هذه الألغاز ألا وهو الزمن؟

اطلعت مؤخراً على كتاب “نظام الزمن” للفيزيائي الايطالي كارلو روفيللي. سأستعرض معكم بعض الأفكار التي لفتت انتباهي.

نحن نفكر في الزمن تبعاً لخبراتنا اليومية، فالزمن كما نراه على ساعة الحائط أو اليد هو شي بسيط متجانس يتدفق بشكل ثابت مستقلاً عن أي شي آخر. الأحداث مرتبة بشكل منتظم ماضي وحاضر ومستقبل. الماضي ثابت والمستقبل مفتوح.. ولكن الكاتب يناقش ويبين خطأ كل ذلك!

نبدأ بحقيقة بسيطة: الزمن يمر أسرع في الجبال منه عند مستوى البحر.

لذلك إذا اوجدنا صديقان أحدهما يعيش في السهول (أو عند مستوى البحر) والآخر يعيش في الجبال. عندما يلتقيان مجدداً بعد سنوات سنجد أن الصديق الذي وجد في الأسفل عاش أقل، ساعاته تحركت على نحو أبطأ، حظي بزمن أقل لإنجاز الأشياء كما أن نباتاته نمت بقدر أقل. ببساطة في الأسفل، هناك زمن أقل مقارنة بالأعلى.

الكتلة تبطئ الزمن حول نفسها، والأرض كتلة كبيرة تبطئ الزمن في تخومها. وهي تفعل ذلك أكثر في السهول وأقل في الجبال، لأن السهول أقرب اليها. لدينا زمن مختلف لكل نقطة في المكان، ما من زمن واحد بل عدد هائل لا حصر له من الأزمنة. ولهذا السبب سيشيخ الصديق الذي ظل عند مستوى البحر على نحو أبطأ. صحيح أن الفارق في مثالنا ضئيل ولكنه مثبت وحقيقي جداً.

الزمن مطاطي ذلك ما تشير إليه خبرتنا الشخصية،  فاللحظات السعيدة تنقضي بسرعة بينما تتحول الدقائق الى ساعات في الاحزان والكوارث. وإذا كنت من محبي مشاهدة المباريات ستلاحظ هذا جلياً. اذا كان الأمر كذلك فمن اقنعنا أن الزمن يسير بشكل ثابت؟

إننا نعيش في الزمن كما تعيش الأسماك في البحر. بعد كل ما ذكر لماذا لا نشعر بتلك القفزات الزمنية اذا كان كل شيء يحمل زمناً خاصاً به وغير متجانس. السر يكمن في الذاكرة، الذاكرة هي التي تمنح حياتنا معنى تربط حاضرنا بماضينا، تفسر الاحداث وتعطينا هوية خاصة بنا. أنت لست تلك الكتلة اللحمية التي تقرأ هذه الكلمات، أنت خليط ما بين ذكريات الطفولة والشباب. أنت جزء مما علمك أمك وأبوك، أنت جزء من ذاكرة مجتمعك. أنت كائن مميز سواء أعجبتك تلك الفكرة أو لم تعجبك. وقبل أن تعلق شهادتك العلمية العليا في صدر المجلس وتدعي أنك خضت في بحور العلم واكتفيت، توقف، تأمل تفكر ثم اجثو على ركبتيك وتواضع تواضع تواضع.