مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
وأنت تبدأ عاماً آخر، تعتقد أنه بإمكانك أن تودع ما كان، تريد جاداً أن تنسى مواقف ومآسي وأحزان وغصات العام الذي أُغلقت صفحته، فتكتشف أن الإقدام على النسيان ليس مجرد خطوة قدم كتلك التي تخطوها وأنت تخرج من باب منزلك، أو تبدأ بها نهارك، أو تدخل بها بيت جيرانك، إن نسيان الغصات والسيئات نعمة كبرى، ما في ذلك شك، ولكنه بحاجة لإرادة كبرى وعزم وطاقة، مع ذلك فهو ليس بالأمر البسيط الذي نتصوره.
والسؤال هنا: لمَ عليك أن تنسى كل تلك الجراح والخدوش والآلام التي تركت علاماتها في قلبك؟ هل لأنها آلمتك، أم لأنك كلما استعدتها، أو ذكّرك بها موقف أو حديث أو شخص ما، انفتح الجرح أمامك كأنه يحدث للتوّ وأنت لا تريد ذلك؟ إن الجرح مؤلم واستعادته كذلك، لكن لا بد أن نعترف أن حياتنا ليست سلسلة من الفرح والضحكات، وأننا لا يمكن أن نسير في طريق الحياة خفافاً كأطفال رضّع!
إن حياتنا مزيج من كل التجارب، حلوها ومرّها، وإن هذا المزيج هو ما أنتجنا وأنضجنا وجعلنا على ما نحن عليه اليوم، إننا كبرنا بمرور البشر والأيام والتجارب: كل أنواع البشر، وكل ألوان التجارب والأيام، لم يصنعنا الفرح فقط، ولم تنضجنا الضحكات، بل على العكس أنضجنا أولئك الذين حزنّا لفراقهم، والذين خذلونا وآذونا، والذين أفرحونا بقربهم وإخلاصهم.
إن كل ما تريد نسيانه مما كنت ذات يوم تحتفي بوجوده في حياتك، أو تتوجع منه، أو كنت متوجساً منه، أو مبتهجاً به جداً، وتطير به من الفرح، ستنبض به ذاكرتك يوماً، ستذكرك به الصور والأمكنة والكلمات، وستذكرك به مواقع التواصل بمجرد أن تفتح عينيك في أول أيام العام حين ستقرأ تلك العبارات والأشعار، وستقع عيناك على الصور التي كنت قد نشرتها على صفحاتك الافتراضية خلال الأيام والسنوات الماضية، فكيف ستنسى، وإلى أين ستهرب؟ ستقف لك ذاكرتك في كل الأزقة والطرقات الخلفية، حاملة الدفاتر والصور لتقول لك (إن كنت ناسي أفكرك)!!
المصدر: البيان