كاتبة سعودية
لم يكن لأحد أن يتصور أن جمهور كأس السوبر السعودي البارحة الأولى ربما تجاوز 15 ألفا على مدرجات ملعب لوفتوس رود في لندن، لندن البارحة مدينة سعودية.. الأصوات كلها سعودية.. الشارع الذي عبرناه معا فيه آلاف السعوديين يلتحفون أردية وقبعات وأعلاما هلالية ونصراوية. من يتصور أن تضج مدينة صغيرة مثل لندن فجأة بعشرات الآلاف من السعوديين في وقت واحد يحضرون مباراة فريقيهم المفضلين، ومن ثم ينتثرون في شوارعها حتى الساعات الأولى من الفجر؟ كان خيارا موفقا جدا أن يختار القائمون على كأس السوبر مدينة لندن. ربما يرى البعض اختيار لندن عثرة اقتصادية وغير مبررة، لكن هذا الرأي غير ملم بتفاصيل وحسابات دقيقة على الأغلب، وفي الحقيقة أنا ممتنة على المستوى الشخصي، وأشكرهم بشكل شخصي أيضا، هذا أولا لأنني أريده أن يكون في لندن، حتى أتمكن كمشجعة سعودية كغيري من الأسر السعودية من حضور حدث كروي سعودي بهذا المستوى معا. أما أسبابي المهنية، فإن اختيار لندن هو إعطاء الكرة السعودية أفقا ومدى عالميا أبعد.
كما السلام الوطني المؤثر، أشعل رابح صقر الملعب بأغنيته الحماسية “فوق يا سعودي”. وقد احتفت الصحف البريطانية بالحدث والصور الرائعة على صفحاتها، إلا أن اللافت ما ذكرته صحيفة “ذا جارديان”، وهو أن الحدث السعودي في ملعب لوفتوس رود ربما صاغ اتجاها جديدا. أعتقد كشاهد على الحدث، كان الحضور بطابع حضاري معقول بنسبة ما؛ فلم أر شخصيا تجاوزات حقيقية سوى فرح عارم لشعب أراد أن يفرح. بدت الأخلاق عالية وروح المشجعين بين الهلال والنصر رياضية؛ فالنصر أيضا كانت له فرص تسديد لكنها لم توفق؛ وقد لفتني انتقاد البعض اللاذع لتركيز المخرج والكاميرات على المشجعات، وهو ما رآه البعض تعديا على الخصوصية السعودية حتى وهي خارج الوطن، ظهور المشجعات طبيعي في كل العالم، فالمشجعات هن ملح الحدث وجماليته وجانبه الإنساني الجميل، فكيف يا ترى تكون الحياة جميلة وإنسانية ومتوازنة بدون البنات؟
الحدث كان تاريخيا بلا شك، وقد كنت والأصدقاء نجلس في مقصورة خاصة في الملعب، على خلفية تعليق فارس عوض على mbc في الشاشة خلفنا، وقد كانت تعليقات النجم فارس الشاعرية نفسها حكاية أخرى، ومع فوز الهلال، نزل نواف بن سعد وعبد الرحمن بن مساعد والبقية إلى أرض الملعب لتحية الهلال وتتويجه. كانت مباراة حيوية ومليئة بالثقة واللعب الجماعي. انتهى الموسم والهلال بطل وابتدأ والهلال بطل. ولأنني هلالية، فأنا تغمرني البهجة بأن الزعيم حصل على كأس السوبر 2015، وحصل على كأس الملك 2015، وكأس ولي العهد 2013. بين التكتيك الفني والعامل النفسي ثمة تمازج واضح. وأذكر ما قاله المدرب الفرنسي الراحل برونو ميستو مرة بأنه كان يجلس مع كل لاعب مدة نص ساعة لتهيئته نفسيا؛ حتى المدرب البرازيلي ماريو زاجالو حين سئل: كيف ترى دورك؟ قال: أنا دوري كمدرب لا يتجاوز 10 في المائة فقط. لا شك أن التدريب النفسي أهم حتى من المدرب نفسه، فالفوز مسألة سيكولوجية، وما واجهه النصر وما شعره الهلال هو تداعيات العقبة النفسية السابقة، تداعيات الخسارة للنصر وتداعيات الفوز للهلال؛ لذا فقد كان فوز الهلال متوقعا بشكل كبير، كما من المتوقع أن تعود الآن عقدة الهلال والنصر أكثر من السابق، فثقة المشجعين الهلاليين في فريقهم ارتفعت بشكل كبير، وثقة النصراويين في فريقهم ربما انخفضت بنسبة أكبر. في النهاية، كرة القدم ثقافة وتشبع وليست تشجيعا متعصبا وسطحيا، والمتابع للتقارير الكروية الصحافية الغربية، يعرف الفرق بين التعصب البسيط وبين ثقافة المشجع الحقيقي. وأحسب أن مشجعي كرة القدم مثقفون الآن أكثر من أي وقت مضى. مبروك للزعيم وحظ أوفر للعالمي.
المصدر: الاقتصادية