كاتبة في صحيفة البيان
في القرن السادس عشر الميلادي استخدم أجدادنا التقطير، وذلك بتشجيعٍ من العلماء الكيميائيين العرب، ليصبحوا أول من خاضوا هذا المجال واستفادوا من ممارسته.
والآن وبعد مرور خمسمئة عام، يعود الإنسان المتحضر ليرتقي بجودة حياته من جديد، طالباً “الاتزان” ليصبح التوازن همّه ومطمحه في هذه الأرض المرتبطة بالكون.. هذا الكون الذي أصبح بحاجة إلى تنقية، بعد أن صار ممتلئاً بالكربون الملوث.
السماء العالية أبدية وتحاكي الامتداد إلى كل الجهات، ونحن كوننا بشراً نحارب أنفسنا بلا جدوى، أليس الأجدى خوض حروبنا ضد المناخ الضار والاحتباس الحراري، لننهي من الوجود عدونا الأكبر الكربون الضار المسبب للتلوث وتغيير المناخ؟! كم هي جميلة الحروب القائمة من أجل البيئة! والأجمل مبادرة السلام مع الطبيعة، من رياحٍ ومياهٍ وشمس، عاقدين العزم لبناء علاقات صادقة مع هذا الضياء المشرق والمذهل في منطقتنا، التي تُعد نعمة ولا يجب التذمر منها.
نأخذ هذا الفائض من الحرارة العالية والنور للتخزين والاستفادة، وكذلك من طاقة مياهنا في هذا الخليج المتلألئ، حيث المد والجزر، الذي بلا نهاية، فلولا هذه الطاقة لانتهينا من الظمأ.
كم سعدتُ مؤخراً برؤية الألواح المخزنة لضوء النهار في كل مكان، لقد بدأ الوعي بالتخزين لا بالهدر، إذاً هي بداية ملموسة، والدليل على هذا الوعي هو الاستفادة من أفضل الممارسات والآليات الفعالة لتخزين الطاقة، سواء الحرارة أو الماء، لجعل هذا الوطن وطناً أخضر.
انضمت دولة الإمارات العربية المتحدة لعضوية وكالة أيرينا، التي تأسست في ألمانيا عام 2009، وهي وكالة دولية للطاقة المتجددة، وهذا جهد متقدم وواعد في مواجهة التحديات المتعلقة بالطاقة المستدامة والتنمية والمناخ.
لم تكتفِ الحكومة بذلك، بل قامت ببناء المناطق التحتية لاستغلال الطاقة المستدامة قدر المستطاع، سواء الحرارية أو المائية، وهذا الاستغلال الطاقوي سيتمدد مستقبلاً في المناطق الصناعية والترفيهية والحدائق والمدارس، انتهاءً بالملاعب ومواقف السيارات وأنظمة الصرف الصحي، لتصبح قنوات الصرف طبيعية.
ما زلنا نحاول التحرر من السموم، والإفلات من شبح الكربون، منتظرين المشروع الذي سيصبح الأنموذج العالمي الأروع كونه مدينة لمستقبل الإنسان، المدينة الخضراء، مدينة مصدر في أبوظبي، التي سنفخر بها، وهي الآن قيد الإنشاء. نموذج في بنيتها ومحيطها وتقنيتها النظيفة، المعتمدة تماماً على الطاقة المستدامة، وستُجرى فيها المشاريع التجريبية، بما يتناسب مع ظروفنا ومناخنا ونمط استهلاكنا في المنطقة.
يعترض البعض ويتساءل عن المدن الصناعية التي أنهت بناء نفسها، فازدحمت بالمرور وتكدست بالقمامات، وتلوثت مياهها، وقد فات أوانها،
كيف قد فات الأوان؟ وبإمكاننا إحياؤها بالزرع من على أسطح بناياتها وعماراتها وكذلك جدرانها، وزيادة الحدائق والنوافير حولها. كل ذلك سيقلل حتماً، بل وبشكل كبير، من انبعاثات الكربون، وستصبح لديها الفرصة للدخول في المنافسة مع المدن الخضراء، لتبقَ الحدائق أنفاساً، تتقافز فوقها العصافير في أزرق الفضاء، ونشعر بالضوء ملموساً.
والآن مساهمتك أيها المواطن والمقيم، بل أيها الإنسان، فإدراك تطوير المدينة وخلق الجو الصحي يبدأ من المنزل، بوضع المعدات الخاصة بالطاقة والصديقة للبيئة، من استخدام التقطير الشمسي لجعل الماء صالحاً للشرب، ووضع الألواح الشمسية فوق الأسطح، للاستفادة من حرارة الشمس والطاقة المستدامة، وإحياء الزراعة في الواجهات والجدران، وجعل النباتات الخضراء زينة لدورنا..
الدار تمثل صحتنا وثقافتنا، أليست أصل موضع الإنسان ومرجعه والمكان الذي يتخذ منه العيش وأسس اهتمامه؟! الدار إذاً مجتمع بأكمله، حيث النشأة، فلنجعلها خضراء، ولنستفد من تخزين الطاقة للتقليل من التلوث وجعل الحياة أنقى وأجمل، مدركين الحقيقة المرحلية والتحول وأهمية الخطوة التي نصبو إليها، فهذا الوعي سيذيب الفروق التي خلّفها الإنسان لنفسه عبر التاريخ، فليصبح المناخ همّه، وليشع هذا النطاق الكوني الأزرق إلى الأبد.
المصدر: البيان