ريم الكمالي
ريم الكمالي
كاتبة في صحيفة البيان

رحلة عبر الأدب

الخميس ٠٢ مارس ٢٠٢٣

العلاقة بين الإنسان والطبيعة من أهم الموضوعات الغائبة في الأدب العربي المعاصر، ونادراً أن نجد رواية حديثة من كتب أدب الرحلات تحديداً عن علاقة الراوي بالبيئة، ونحن نعلم أن العلاقة بين ما يحيط بنا من مناخ، وبشتى أنواعه وأشكاله مادة أدبية وإن كان هذه المناخ سيئاً، فلا بد من مآثره الخطيرة على مشاعر الإنسان. والرحلة البيئية النقدية تقليد كلاسيكي في عالم الأدب وفي شتى بقاع العالم، ولعل من يقرأ ملحمة جلجامش أقدم ملحمة في تاريخ البشر، فإنه يتعرف إلى جوهر الأشياء وجذورها، وشكل الإنسان إذا قضى حياته يتعلم من الحيوانات، ويعيش بينهم، وكيف يصبح إن عاد إلى المدينة؟ كما أن الملحمة تعرفنا بمعنى الغابات والصحراء والغوص في البحر من خلال البطل وصديقه، وكيف الجنة الطبيعية حولك ومعاني الجمال والوئام. وعودة من العصور السحيقة إلى القريبة، فإذا قرأنا بعض كتب أدب الرحلات التي تعود إلى ما قبل القرن العشرين نجد النصوص تواجه حتى جذور الذُرة وعناقيد العنب، وتتأمل المعاني حول الوردة إذا تمايلت أو ربما غنت، ما يجعل القارئ يحاور الأشياء الطبيعية المكتوبة ويتخيلها من خلال المفردات، لتصبح العلاقة بين الإنسان والطبيعة مفهومة، لتتحول المساحات حولنا إلى لغة شهية ومغرية للحديث عنها، أو ربما الكتابة عنها. أمّا ما طُبع لنا أخيراً من الأدب العقلاني فهو ظاهرة جديدة، أدب يخوض في تدمير…

الكَاتِب والدفاع عن نُصُوصهِ

الثلاثاء ٠٦ أكتوبر ٢٠٢٠

بلا شك أنه بعد انتهاء المؤلف من نصوصه، سواء الفكرية أو الإبداعية، وإرسالها إلى دور النشر والطباعة، تقوم المؤسسات الثقافية والنوادي الفكرية ومعارض الكتب الأدبية بالاهتمام به ودعوته من أجل نقاشه، ونوع من الاحتفاء به، ولعلنا نعلم بأنه لم يكن فيما سبق من تاريخ الإنسان العلمي والأدبي أن يُدعى الكاتب كما هو اليوم، خاصة أنه لم يعد في حقيقة الأمر مسؤولاً عن مؤلفته بعد النشر، بوصف النص المطبوع هو مِلكٌ للقارئ، أي ملكيةٌ تخرج من حوزة المالك إلى حوزة المطلع عليه. نحن حيال تحويل شائك في مفهوم الملكية الفكرية في الكتب، والتي تُحول الكتاب إلى اسم فقط، ويستقر إلى الأبد بين يدي القارئ، وترحل نصوصه إلى التفسير، وتطوى في إطار نقدي سواء النقد الإقصائي أو الوظيفي، ومن هنا يتساءل الموظفين في المؤسسات الثقافية، أليس مطلوبًا من المؤلف الدفاع عن نصوصه في ندوة أو لقاء من أجل نقاشه، وعن ماهية فكره ونصوصه وعما يرمي إليه، وهذا الأمر في حقيقته فادح الخطأ، قد وقعت فيه المجتمعات المعاصرة خاصة أن أغلب المؤسسات تتبنى استضافة المؤلف والباحث أو المبدع، للاجتماع به أمام جمهرة المطلعين، والحديث معه بتوجيههم الأسئلة حول ما كتب، بالرغم من علمهم أن النص لا يمكن تغييره، بعد أن أصبح بيد القراء ودائرة ملكياتهم، كما أن النقاش في كتاب مكتمل الفكرة وواضح…

مساجد الغد

الأربعاء ٠٩ أكتوبر ٢٠١٩

استعرض الأستاذ كامل يوسف حسين في جلسة مهمة بمركز جمال بن حويرب للدراسات بجميرا قبل أيام، موسوعته الضخمة الخاصة بدور العبادة «موسوعة مساجد الإمارات»، وهو اشتغال عميق لمساجد الدولة الفريدة في معمارها والتي ضمت 6527 مسجداً، فمن أهميتها أن طالبت مكتبة الإسكندرية بعشر نسخ منها، وكذلك مؤسسات عربية كبرى أخرى. كامل يوسف حسين مترجم مصري شهير له ترجمات كبرى في الأدب الروسي والأمريكي والياباني وترجمات مهمة لملاحم ومؤلفات بحثية تاريخية عدة، فهو باحث دقيق ومترجم ثقة لا يتكرر كثيراً في هذا الزمن. طرح في الجلسة سؤالاً مهماً: كيف يجب أن تكون مساجد المستقبل في الإمارات؟ وكيف اختلف عليه الباحثون حين كتب مقالاً يذكر فيه مساجد الغرب التي ترفض الذهب والمجوهرات، وتميل إلى الوضوح والبساطة بعد أن انعتقت من عناصر التعقيد.. هذه الملامح لمساجد الغد كان يعني بها مساجد الأحياء السكنية والأسواق، ولم يعني بها مساجد الدولة الكبرى لأنها بطبيعة الحال لن تتكرر، فكما نعلم أن لكل دولة إسلامية مسجداً كبيراً، يسمى مسجد الدولة، ولمساجد هذه الدول الكبرى رسائل كبرى تأتي بحجم مسجد الدولة وزخرفته وطرازه المعماري ومكان تشييده الذي يأخذ عادة في ارتفاع أو وضوح معين.. وقد يتضح ذلك في جامع الشيخ زايد الكبير في أبوظبي بوصفه أنموذجاً فنياً بارزاً، أراد المؤسس الراحل من خلاله إرسال رسالته الخاصة للكون بأنه…

استراتيجية الثقافة

الأربعاء ١٠ يوليو ٢٠١٩

حين نقول مؤسسة، فهي قادمة لغوياً من كلمة أس ماضيها أسس، والتأسيس هيكلة أو منشأة، عادة تقوم برامجها على المدى البعيد جدًا، مهما كانت هذه المؤسسة دولة أو مدينة أو قرية أو وزارة أو معهد أو بيت أو مدرسة أو مسجد أو جامعة أو متحف أو مصرف،... بمسمياتها المختلفة يبقى الأساس المستخدم في أبعادها المحددة هو بغرض الإدامة، وعليها أن تنتج الأمل في تحقيق المراد، من عوائد فكرية، مالية، روحية، سياسية، إدارية، تربوية، وعلمية... إذن المؤسسة مهما كان حجمها صغيرًا أو كبيرًا فإنها تؤسس على أفكار إنتاجية ذات شأو وأمد، لا مجرد برامج وأنشطة وأسفار ومهرجانات وما إلى ذلك، ينتهي ذكرها في المنشورات والصحف ثم التكريم، والنتيجة تصفيق مؤقت. نعلم أن المجتمع أيًا كان هو عبارة عن ناس ينتسبون لمؤسسات ويعملون على إنجاحها نجاحًا طويل المدى، وقد لاحظنا في السنوات الماضية كيف خرجت استراتيجيات كبرى لمؤسسات نفطية ومصرفية واستثمارية في الدولة نجحت ولمعت بموارد بشرية ومالية هائلة دعمت الوطن في تطوير مهارات المواطن مثل «أدنوك» و«بترول أبوظبي» و«مصدر» المدينة المميزة للمستقبل، و«موانئ أبوظبي» وشركات عدة مثل «إعمار» و«النخيل» وغيرها. ونعلم كذلك أن مصدر الاستراتيجية صناعي، والصناعة قاعدة ولها أهداف بعيدة، وهي مفردة بارعة مستخدمة في المراكز العسكرية والحكومية للنهوض بالاقتصاد القومي، ومن هنا نتساءل عن الثقافة: ما استراتيجية المؤسسات الثقافية؟…

في تحدي الهواء

الأربعاء ٢٠ فبراير ٢٠١٩

قرأت أنه منذ حوالي عام 4000 ق.م أي قبل 6000 سنة من الآن بدأت الرياح الموسمية للمحيط الهندي بالتحرك جنوباً إلى موقعها الحالي مما أدى إلى انخفاض معدل هطول الأمطار في سواحل الخليج، فكان الانقلاب الهوائي ومن الممكن ملاحظة نتائج هذا التغيير المناخي اليوم في الطبقات الرملية المتبقية في بحيرة عوافي الأثرية برأس الخيمة. كانت محنة بلا شك لسكان الخليج حينها هذا الانخفاض في معدل الأمطار وصعوبة العيش وتلك الظروف المناخية الجديدة، وما ألحقتها من مجاعة تعرضوا لها في بعض الأحيان، هذا بعد أن تم العثور على أدلة في جزيرة «الأكعاب» بإمارة أم القيوين، هذه الجزيرة النادرة في أمطارها ونباتاتها والجافة بعد أن فرضت عليها الرياح الموسمية نظامها المتعب آنذاك. وللمتتبع هناك دلائل على أن الناس حينها أثبتوا التضامن الاجتماعي في ظل تلك الظروف، بعد أن وجد علماء الآثار من طقوس خاصة يتم فيها تقاسم الغذاء مع مجموعات سكانية مختلفة، وأمام تلك الرياح بتصنيفاتها المزاجية التي غيرت حتى نظام مراكبهم بين الانطلاق والانتظار الطويل، ظلوا على ثقة بأنهم سيتجاوزون ذلك بالتكاتف معاً، وإن لم نستبعد أن منهم قد هاجر لعدم قدرته على التكيف مع تلك الطاقة الهوائية المتغيرة والمبتذلة في مزاجها. تشتت الإنسان طويلاً مع ما أصابه من تبدد في الرزق بسبب الرياح المفاجئة، فلا بد أنه فكر كثيراً كيف…

المؤلف والتجمعات الثقافية

الأربعاء ١٣ فبراير ٢٠١٩

كل التجمعات لها خصوصياتها، لتبقى تجمعات الأدباء مختلفة لما فيها من نقطة تلاقٍ لأفكار تقدمية وتنويرية، ليس في أيامنا فحسب، فهي ظاهرة منذ القدم وفي كل بقاع الأرض، باعتبار أنها لقاءات نهضوية، وصورة حداثية متواصلة، وبوصفها دعوات لحلقات فكرية مثابرة سواء في صالونات، مجالس، مقاهٍ، مراكز أو منازل... تبقى براقة، وإن بدت بعضها متعددة كردة فعل ضد تراجع التواصل الفكري وجهاً لوجه أمام التواصل الرقمي، لتنتشر هذه المحافل من باب الحاجة إلى التفاعل القريب. بالطبع إن التمرين العقلي بين كل تلك الأذواق المختلفة في حواراتهم الجدلية والحيوية يأتي بهدف إذكاء الشغف والإلهام، بغية المزيد من القراءة والبحث، والكتابة الإبداعية، وحتى من أجل الوعي والنضوج والإلمام... كلها تجمعات تشجع التآلف، تحت مسميات مختلفة لاستخدام الكتاب منصة انطلاق ولمناقشة عميقة... لتبقى ملاذاً لأسئلة كبرى، وملجأً لموضوع أوسع ربما، أو حصناً لثقافات مستوحاة. لكن تقودني الحيرة إلى أمر آخر لاحظته، وهو أن بعض الحضور في تلك التجمعات يأتي للتباهي أو الترفيه لا للنقاش، وبعضهم يغالي النقد ذماً لمن لا يعجبه من المؤلفين والشعراء، أو مدحاً لمن يعجبه، ما يقلص دور وفاعلية تلك التجمعات كمنصة للحوار واكتساب مهارات جديدة، ما يتطلب تحركاً سريعاً حتى لا تفقد مضمونها وتتحول إلى مجرد مناسبات لتناول العشاء. لا ننكر أن ظاهرة التجمعات تبدو حضارية لكن ليست جميعها، فبعضها…

مَوتُ القرية

الأربعاء ١٩ ديسمبر ٢٠١٨

في العالم المتقدم الواعي لمعطيات أرضه وضمن حدوده، لديه المحافظة على القرية أمر سيادي، وإن لم يتعدَ سكانها الخمسين شخصاً بداراتها الملتصقة بمقدار الأصابع العشرة دون تجاوز، لكن الأهم في القرار أن تظل القرية مضيئة بالكهرباء ومتدفقة بالماء ومُعبدة في طرقاتها القليلة والضيقة، مع خدمات العيش لاستمرارية حياة أهلها استقراراً ومكوثاً، لتغيب تماماً فكرة الهجرة عنها... لكن بالمقابل، وفي مدن متحكمة ومسيطرة وحديثة تتوسع بقوة في العالم العربي، تم إعدام الكثير من القرى حولها... بإهمال خدماتها وتركها على حالها، وأحياناً بقصد دمجها مع قرى أخرى قريبة منها... حتى هجرها أهلها فماتت قرية تلو الأخرى بمساحاتها المفتوحة. ومنذ بعيد وتليد لا نعرفه أي حين تشكلت القرية بمفهومها الزراعي أو الجبلي أو الصحراوي... القرية في وجودها الكوني حين ظلت تناجي أجمل حالاتها وأقسى ظروفها وهي النائمة في محيط عينها. القرية بمجتمعها المنتج لا البسيط، القرية بحرفتها لا بسطحيتها، بجمال طبيعتها كما هي لا بتنسيقها المفتعل... فيا ترى أين ذهبت القرية؟. ماتت قرى كثيرة في عالمنا العربي، حين زحف أهلها إلى عاصمتهم بتقاليدهم وأدواتهم مختلطين بأهل المدن الذين استهجنوا بدائيتهم، رغم أن المدني يرى أهل القرى بجمال هائل، لكن وهم في قراهم لا في المدن... وبإيقاع غامض ضاع ابن القرية في المدينة كما ضاع ابن المدينة من هجوم ثقافات لا تصلح أسلوبه العصري.…

كيف كانت؟

الأربعاء ٣١ أكتوبر ٢٠١٨

البريطاني «نيك كوكرين - دايت»، كان ضيفاً قبل أيام في مركز جمال بن حويرب للدراسات، الكائن بمنطقة جميرا، تحدث بشكل جميل ومبتسم عن ستينيات القرن الفائت، وعن أيامه الأولى التي عاشها طفلاً في مدينة العين، ومنطقة «مِزْيِدْ» في الجنوب الشرقي لمدينة، وبكل مقاييس الذاكرة الأولى ذات الأبجدية الخاصة، كانت لنا وقفة مع قدرته على استعادة تجاربه بعد نصف قرن، تلك الحقبة التي أخذت تغيب في رياح الذاكرة، وإن حدّقنا بملء عينينا صور الأجداد غير الملونة، وإن قرأنا بين السطور المدونة، فقد جف فوق غلاف القلب ما جف، فكيف كانت الحياة؟ يبدأ السيد «نيك» بالتذكر، كيف كانت المياه الجوفية أكثر من الآن، وكيف كانت بين أيادي الآباء كالذهب السائل، مُقَدّراً ومُثَمّناً كالنبع المتفجر وسط الرمال، قالها كحكاية أزلية، وكيف كانت الحياة في الستينيات بمدينة العين في ذاكرته، عن الفرد الذي لا يكفي أن يقود سيارته، بل أن يكون على دراية كاملة بآلتها الداخلية المعقدة، وكيفية إصلاحها؟ وكيف كانت الحياة والناس تشتري احتياجاتها الرئيسة فحسب، حيث لا كماليات، بل ضرورة الضروريات، وكيف كانت الحياة وبعض أصحاب الدكاكين يعاملون المشتري كالضيف، يستضيفونه بما لديهم، وإن كان ماء؟ كيف كانت الحياة والملاريا تنهش نور العين، وكيف وكيف؟ ومن زمن لا شيء يوقفه، نتأمل فيه بعضاً من البشاشة، ليكمل «نيك كوكرين - دايت»، الحائز على…

في يوم المرأة العالمي

الخميس ٠٨ مارس ٢٠١٨

منذ سلمى الجلفارية ابنة الماجدي بن ظاهر، أي منذ القرن الثامن عشر إلى اليوم، وهي توقظ فينا تلك المرأة المبدعة، كأديبة أولى وثّقَتْ اسمها شعرًا وموقفًا، لنجد تأثيرها الصاعد على دفاتر الأدب، كي يستمر الزمن في تعقبها وحضورها بجانب الرجل، مدافعةً عن أرضها ضد الاستعمار البريطاني، إلى دأبها في الساحات الرملية العامة في وطنٍ منسي، لتجلب ماء الحياة من الآبار، ومنذ فقرها المعروف الذي عاشته بسلوان، ومنذ الفاقة التي مرت على الساحل بسبب هذا الاستعمار المتحكم في البحر، ومنذ تدهور ظروف العمل من بدايات القرن العشرين، والمرأة تضحي من أجل مسيرة أسرتها وأبنائها، من دون حركة نسوية متطورة للتعبير عن نفسها، ومن دون المطالبة بحقوق مختلفة، ومن دون أي شيء، ليبقى لها الفضل في التحمل بلا مقابل وبلا أجر. في يوم المرأة العالمي أقول بأن المرأة الإماراتية، ومنذ عقود طويلة كانت حيال قرارات مصيرية قامت بها خلف الستار ومن ودون اعتراض أو شجب أو المطالبة بمساواة... لتصنع حركة نسوية بلا جمعيات، وتعطي نضالًا بلا صوت. لم يصارع الموت مثلها أحد حين كان يحاصرها أثناء الولادة أمام غياب مشفىً صغير أو حتى عيادة لم تفتحها لنا أية دولة متحضرة عربية أو غربية في الثلاثينيات أو الأربعينيات من القرن الفائت، ولا أعرف لِمَ؟ فعلى الخرائط كنا نسمى بساحل عمان المتصالح، نعم متصالح…

فائزون حقيقيون

الأربعاء ٢٩ نوفمبر ٢٠١٧

حين تعلن مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية كل عامين، عن أسماء الظافرين بجائزتها، فنحن ندرك أننا أمام جائزة مختلفة من نوعها، لكونها ليست تقديراً لعمل فكري أو إبداعي واحد، بل هي لمجمل أعمال الفائز، وهذا ما يميز المؤسسة في جائزتها عن الجوائز الأخرى. ليأخذنا الإعلان إلى قراءة المنتج الكامل لهؤلاء المبدعين من المفكرين والأدباء، لا وهج عمل جزئي واحد، كبقية الجوائز. ولأن من أهداف الجائزة، النهوض بالفكر من خلال الأدب والعلوم والمجالات الأخرى، فإن الشاعر اللبناني شوقي بزيغ، كان جديراً بجائزة العويس في حقل الشعر، فمن يقرأ له، يجد بين نصوصه، كيف يغرس التراث المسيحي والإسلامي في بستان شعره، وبأسلوب صوفيٍ شفاف، لاقتناعه بأن الصوفية في الشرق، هي الطريقة الأسلم لنجاة هذا الإنسان للوصول إلى ربه دون شوائب، فنشهد مقته الطائفي إلى أبعد مدى، فيما يكرس بقية أعماله باقتفائه أثر الحقيقة عن طريق الأنثى والجمال والنباتات والأصوات... بشاعرية ساحرة، يستحق أن نقرأهُ جميعاً، إن أردنا أن نُهذب أرواحنا. أما في حقل القصة والرواية والمسرحية، فقد تم اختيار الأديبة والروائية هدى بركات، اللبنانية التي هاجرت بلدها إلى فرنسا، لتصبح مواطنة فيها، وتكرمها حكومتها الفرنسية، ومع ذلك، أبت أن تكتب بغير العربية، وقد نوعت أعمالها بين القصة والرواية والمسرحية، لتمر قبل مرورها بجائزة العويس الثقافية، بجوائز أخرى كجائزة «مان بوكر» العالمية…

أهمية اللغات الميتة

الأربعاء ١٩ يوليو ٢٠١٧

مكتشفو الحضارات السالفة، غالباً، هم من أولئك المتقنين للغاتها الميتة، وهؤلاء في معظمهم علماء آثار، وهذا يعني إلمامهم الكامل بتلك الأبجديات المندثرة قراءةً وكتابة، ومن ضمنها النقوش المرسومة وما ترمز له. والشاهد أن من أريدُ ذكره، اليوم، وبتقدير لأنه تميز في هذا الحقل الذي حقق فيه الكثير، هو د. حمد بن صراي أستاذ التاريخ القديم في جامعة الإمارات، والمُلم بأكثر من ست لغات قديمة أكثرها ميتة، كاللغة الآرامية والتدمرية والعبرية، ويتقن السبئية والسريانية قراءةً وكتابة، والتي يؤكد سهولة تصفح السبئية وجمالها، لقربها من العربية، لما لحروفها من تقارب في الصوت والأعداد، فالسبئية تتكون من 29 حرفاً أي تزيد على العربية بحرف واحد فقط، يقول ذلك لأننا سبق وأن ذكرنا عن مدى اختلاف البعض حول أصل حروف الهجاء في اللغة العربية بين أن تكون آرامية الأصل أو سبئية. بينما اللغات القديمة الأخرى كالتدمرية والآرامية والسريانية والعبرية، تتألف كل واحدة منهن من 22 حرفاً فقط، تختفي حروف الضاد والظاء والغين والثاء فيها، وقد درس بن صراي تلك اللغات الميتة بهدف قراءة نقوش ولغات تلك اللوحات الأثرية والمرتبطة بنا والتي بلغ عددها 50 لوحًا وهي تلك التي تخص الخليج العربي في القرنين قبل الميلاد وبعده، وفي معظمها رسائل تجارية، ما عدا لوح واحد وهي رسالة تتعلق بالجانب السياسي كتبها والي تدمر عن إقليم…

«الليجبيل»

الأربعاء ٠٥ أبريل ٢٠١٧

مدينتان باسم جبيل، إحداهما تطل على الخليج العربي، والأخرى على البحر المتوسط، وبين جبيل في المنطقة الشرقية السعودية، وجبيل في محافظة جبل لبنان، سألت عدة مؤرخين ومختصين عن مسمى جبيل، وهل ثمة ما هو مشترك بينهما؟، لتأتيني إجابات نافية، وأنه مجرد تشابه، وما هو إلا تصغير لاسم جبل. يحدث أن تتشابه الأسماء، لكن المدينتان مرت عليهما قبل الإسلام والمسيحية ديانات وثنية، وبالتالي، كانتا تؤمنان بالإله «الليجبيل»، وهو إله النار أسفل الأرض، كما تقول الأسطورة السومرية، التي استوقفتني كثيراً في أن «الليجبيل»، كما ينطقها السعوديون، إلى الآن بهذه الطريقة، وكذلك اللبنانيون، هو شقيق للإله «نَنَا» أو «نانا»، أي القمر في السماء، كونه مذكراً آنذاك، ولديه أيضاً شقيق يدعى «نركال»، وهو إله مسؤول عن عالم القبور، وشقيق آخر يدعى «ننازو»، وهو إله الشجرة والطب. هؤلاء الأبناء الأربعة، ذكروا في هذه الأسطورة الطويلة جداً، أشبه برواية خيالية أو ملحمة، لا تسعني المساحة لسردها كلها، لكن الأهم هو أن «الليجبيل»، الذي كُتب باللغة العربية الجبيل، لكونه تصغيراً لجبل، فذلك مفهوم بعيد برأيي، لكون مدينة جبيل اللبنانية، سميت في الزمن البابلي جُبْلا، وأطلق عليه في ما بعد الآشوريون جُبلي، لينطقها الإغريق بعدها اسم «بيبلوس»، المأخوذ من «جيبلوس»، كما يبدو لي، ليعود المسيحيون للاسم الأصلي له، ويكتبونه جبلات، كل هذا دليل على أن الاسم في أصله…