أريج القرق
أريج القرق
إماراتية درست الاعلام وتخصصت في الاعلام المرئي، عملت في مجال الاعلام وتحديدا في العلاقات العامة و التواصل المؤسسي. وتوجهت مؤخراً للعمل في مجال العلاقات الدولية

“اقرأ”.. التفكر بالكلمة والمعنى

آراء

(اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الانسان ما لم يعلم…) أول كلمات الله التي وقعت على مسامع رسولنا الكريم محمد بن عبدالله في غار حراء عندما كان يختلي بنفسه. ومن تلك الكلمات يبين حرص ديننا الحنيف خاتم الأديان على القراءة، إذ نزلت أول آية من كلمة واحدة وهي “اقرأ” كآية كاملة. فكانت الحالة كما يبدو لي في مخيلتي هي وضع هالة مشعة بالنور على هذه الكلمة، تحث على التفكر والتدبر في مدى بعد الآية المكونة من كلمة واحدة، وما تحملها من معان عميقة.
باستطاعة العقل البشري التقاط المعنى السطحي على الفور، لكنه بالاجتهاد والبحث عن خفايا وعمق المعاني المتعددة الموجودة لهذه الآية يكتشف أن القراءة منفعة للعقل والروح والجسد، فهي تنشط خلايا المخ وتملؤها بأحرف وكلمات تساعد الشخص بتنمية مهارته الفكرية واستيعاب المعلومة، ومن ثم توجيهها للقناة الفكرية الصحيحة في العقل لتكوين شخصية القارئ. وهذا ما يميز قراءة النص بدلا من مشاهدته. فتحليل النص مرئيا في مخيلة الشخص وتكوين صورة فوتوجرافية منفردة للنص المكتوب، يفتح آفاقا أبعد عن مشاهدة تحليل أو خيال شخص آخر للنص المكتوب، حيث يستخدم القارئ حواسه الخمس لاستشعار النص. فيلمس المعاني بخشونتها الشوكية أو نعومتها القطنية، ويستنشق من أريج الكلمات العذوبة، ولربما تزعجه رداءة بعض الكلمات، ويسعد برؤيته الابتسامة في الكلمة المكتوبة، كما يحزن على كل دمعة يقرؤها، ويستطعم حلاوة الشهد في الكلمة ويستنكر مرارة الحنظل في كلماتٍ أخرى. ويستطرب بسماع ألحان النص والذي ربما يكون ممزوجا مع زقزقة الطيور أو نواح يشبه نواح أرملة عند سماع خبر وفاة زوجها. فهنا استخدم القارئ كل حواسه وكل جوارحه ليكون حاسة سادسة. والتي يتم بعثها لقنوات العقل فتتحلل الفكرة ويتغذى العقل وتنشط خلايا المخ. ومن هناك تبعث للقلب فيأخذ دوره هو الآخر في تحليل ما حُلِلَ، ليغذي بالناتج الروح التي التسكن الجسد وتتحكم بحركاته بعد انتهاء دور العقل والقلب. فتصبح هذه الحاسة الجديدة حاسة تميز صاحبها عن البقية، بالفكر والخيال والانفرادية..

كل هذا وأكثر يمكن استنباطه من التفكير كلمة نزلت على أميٍّ في غار، فلولا أهميتها ما جعلها رب العالمين أول ما نزل من كلماته، وختم أديانه بمعجزة القرآن، وفيه من اللغة والبلاغة ما يحفظ اللغة العربية إلى يوم يبعثون.

خاص لـ ( الهتلان بوست )