كاتب متخصص في الإدارة
أطلق الصحافي روبرت كارو (83 عاماً)، الذي يعتبر أكبر صحافي في الولايات المتحدة، كتابه الجديد. ولأنه شخص مخضرم وعُرف عنه تحليه بالصمت الشديد، إذ لم يتحدث لوسائل الإعلام إلا مرة واحدة في حياته، كما قيل، وذلك للترويج لكتابه، فإنه بلا شك يستحق الاهتمام. الثرثارون يستنزفون عادة جل ما في جعبتهم، أما من يعملون بصمت فهم أكثر من يلفتون الأنظار إذا ما تحدثوا.
ويقول روبرت للقراء من جملة نصائحه: «اصمت»! أي لا تتحدث كثيراً عندما تجري لقاء صحافياً، واترك الفرصة للضيف ليتحدث أكثر.
وليتنا كعرب نسمع هذه النصيحة ونستوعبها، خصوصاً ممن طغت على كثير منهم «الثقافة الشفهية»، فصاروا ينسون أن المتحدث عندما «يفرغ» ما في جعبته من كلام، فهو في الواقع لا يتعلم شيئاً جديداً، بعكس المستمع، الذي يتأمل في لحظات صمته كلام الحاضرين، فيضيف إلى عقله قطعة من روائع أفكار الناس وحلولهم ونوادرهم.
وينصحنا الصحافي الأمريكي في كتابه الجديد، بأن «نقلب الصفحة» حينما عندما نقرأ كتاباً أو تقريراً مملاً، على أمل أن تأتي الصفحات المقبلة بمعلومات جديدة أكثر متعة أو فائدة.
وفي رأيي أن هذه مشكلة نعاني منها فعلياً، بسبب التعليم النظامي الذي جعلنا نقرأ كل حرف، وإن لم يكن مهماً، ولم يعلمنا مهارات الغرب في التعامل مع النصوص، مثل القراءة السريعة، أو skimming وهي الاستعراض الخاطف للنص بصورة عامة، أو scanning وهي القراءة السريعة بحثاً عن أمور محددة.
فتجدنا نمضي ساعات طوال أمام رواية أو كتاب ممل، بسبب وخز الضمير النابع من عدم قراءة كل صفحة. وهي عقدة قديمة مرتبطة بالدراسة للامتحانات. ولذا، كان مفهوم قلب الصفحة مهماً في عصرنا، فليس كل نص مهم أو يستدعي الإطالة في قراءته، فلربما تأتي الصفحات المقبلة بما هو أفضل وأمتع.
والأمر نفسه ينطبق على سائر شؤون حياتنا. فنحن بحاجة لأن نقلب الكثير من الصفحات في محطات حياتنا، مثل علاقة مزعجة، أو مشروع فاشل، أو أفكار هدامة، أو شكوك تعشعش في خيالنا المريض، فضلاً عن عادات سلبية ما زالت سبباً في تراجعنا.
نحتاج أيضاً أن نقلب كل صفحة أو حقبة حفلت بالمشاهد المأساوية أو الذكريات الأليمة، فالقادم أفضل. نحتاج أن نقلب صفحة علاقات تأبى إلا أن تثبطنا، ليلاً ونهاراً، لتجعلنا أسيرين معها لأفكار أصحابها البالية.
والإنسان لا يمكنه أن يتقدم قيد أنملة، ما دام يفعل الأمور نفسها، التي تسببت أصلاً في النتيجة المخيبة لآماله. فكيف أرجو أن أستغل كل عنصر بشري في مؤسستي، وما زلت لا أمارس الدور القيادي أو الرقابي المطلوب. كيف نريد الاستفادة القصوى من الوقت، ونحن نستمر في مسلسل إهدار أوقاتنا.
ولهذا، يكمن التغيير في فتح صفحة جديدة كلية من صفحات الحياة ويومياتها.
المصدر: البيان