هل يستطيع الباحث في التراث اللامادي الإماراتي أن يباشر عمله دون أن يضطر، كل مرة، إلى تبرير خياراته البحثية؟ أي دونما حاجة إلى بيان النفع الذي يرتجيه من الخوض في هذه التعبيرات؟ الحقيقة الساطعة هي أنه لا يستطيع ذلك. فهو ملزم، على خلاف الباحث في التراث المادي، بقياس الجدوى وعرض الغايات وبيان أثر إنتاجه العلمي الرقمي على مشاريع تنمية المجالات وتأهيلها.
لا جدوى من الخوض المفصل في أهمية الأدب، وإطالة الحديث عن وظائفه المختلفة، إلا في سياقات إيديولوجية صريحة الدعوى، تسائل قيمته الأخلاقية، وتنظر إليه من زاوية الفائدة التي يفترض أن تجتنى من إنتاجه وقراءته وتدريسه في محاضن التنشئة. أما في غير ذلك من السياقات، فإن الحديث يمكن أن يجري في ترتيبات جمالياته وأسئلة أجناسه، وإيحاءات مواضيعه وتيماته، وغيرها من أسئلة الإبداع الشكلية والمضمونية.
إن الأدب، في عموم معناه، وجهة نظر إلى الوجود، تصف تعقيدات الحياة، وترسم أشكال التخيل البشري، وتفسر مختلف المجريات النفسية والمجتمعية التي تميز الوجود الإنساني، تماما مثلما تفعل الفلسفة والعلوم الدقيقة والإنسانية. بل إن ما يجري من تراتبية المنفعة بينها، وإن بدا ضروريا في سياقات خاصة، يظل ظالما، لا يعترف للأدب بمقدار مساهمته في تيسير أوجه العيش الفردي والجماعي.
إن إشكالية المقال هي مناقشة مدى حجية الرأي الذي يقضي باعتبار الأدب الشعبي الرقمي مجرد فرع تعبيري عابر، وأنه، في جوهره، مجرد وجه من وجوه الأدب الشعبي الكتابي (الورقي أو المطبوع) لا يختلف عنه إلا في حامله، مع ما تقضيه فصول المناقشة من صياغة محاجة تؤسس لتصور آخر، يرى أن الأدب الشعبي الرقمي جاء ليعلن عن انعطافة هادئة في مسار الأدب الشعبي، تستجيب لتحول الحاجات الفردية والجماعية، في خضم تشابك صيغ التواصل وتسارع إيقاع الحياة.
هي إشكالية تقضي بالسير في طريق الجدل، وتسعى إلى مقابلة وجهات النظر المختلفة، دون أن تسعى إلى البقاء في حدود الاطمئنان التوفيقي، الذي يكتفي بعرض الآراء الوسطية، بمعنى أنها تخوض في طريق أقرب إلى كونه طريقا ميتا نقديا، أي طريقا يرقب النقد بعين النقد، ونعني أنه يسعى إلى أن ينقد الاتجاه الذي ينتقد الأدب الشعبي الرقمي، مع ما يعنيه لفظ النقد هنا من محاولة الوقوف على الخلفيات غير المعلنة في نقاش مشروعية الأدب الشعبي الرقمي وأجناسه وتنظيراته، وليس الاكتفاء بعرض الحجج التي تظهر بطلان الآراء المحافظة.
ولهذا السبب، يبدو طبيعيا أن يثير الأدب الشعبي الرقمي مخاوف في الساحة الثقافية والفكرية، فقد أدت الثورة الرقمية إلى تشكيل واقع مجتمعي جديد، أضحت فيه «مجمل المؤسسات متجاوزة أمام سلطة الفرد الذي أصبح باستطاعته أن يتدبر شأن معلوماته بنفسه، وأن ينشر أفكاره بطريقته، وأن يقوم بتسويق شخصيته، وأسلوبه في التفكير، شريطة أن يكون لديه اهتمام بثقافة التكنولوجية، وأن يستطيع التحرك في الشبكة العنكبوتية».